والحيوان مميزاً على غيرهما في رأي النحت إلا الحياة والحركة كما قدمت. فما هي الحياة؟
أهي في نظر النحات هذا النمو الجسدي الذي يقود الإنسان من طفولته إلى شيخوخته؟ أم هي هذا الاضطراب النفسي الذي لا يهدأ فورانه بين جنبيه مادام حيا والذي ينتاب وجهه وتقاطيعه وقسماته بالتعبير المتواصل الذي تصور كل حالة من حالاته رعدة من رعدات هذا الفوران أو هدأة من هد آته؟ أم هي هذا وذاك؟
بعض المثالين يذهب في فنه - سواء أكان متعمداً أم غير متعمد - إلى المذهب الأول، وبعضهم يذهب المذهب الثاني، وبعضهم لا يذهب مذهباً من هذين وإن كان يجمع في فنه ما يوفق إليه الأوائل، وما يهتدي إليه الأواخر. . . توفيقاً وهديا
أما أصحاب المذهب الأول فقد كثروا في مصر في هذه الأيام، فكل معارض النحت التي تقام في مصر الآن لا تحوي من التماثيل إلا ما تقف أمامه لتقول إن هذا التمثال يمثل رجلاً في السبعين، أو فتاة في العشرين، أو صبياً في العاشرة، أو طفلة في الرابعة. . . أما هذا الفوران الذي نذكره فهو بعيد عنهم، وهم بعيدون عنه. ولعل ذلك يرجع إلى أن النحت فن لا يزال ينتفض تحت أثقال السنين التي تراكمت عليه في مصر فدفنته وكتمت أنفاسه دهوراً
وأما أصحاب المذهب الثاني فهم الذين كنا نتوقع أن نرى لهم أثراً ملحوظاً في معرض المختار الأخير. فقد طلب من المتسابقين في هذا المعرض أن يسجل كل منهم في تمثاله معالم الصلاة ومعانيها أو ما شاء من هذه المعالم والمعاني، فما كان من حضراتهم - أومن أغلبهم - إلا أن سجلوا من حركات الصلاة ما طاب لهم، موجهين كل اهتمامهم إلى إظهار تمكنهم من دراسة التشريح، وإبداء مقدرتهم على محاكاة جثة الإنسان. وعلم الله أني لا أعرف ممن كانت تتألف لجنة التحكيم في هذا المعرض وإن كنت موقناً بأنها ضمت صفوة مختارة من المثقفين الأفاضل؛ غير أنه يخيل إلي أنهم كانوا بعيدين إلى حد كبير عن هذا الذي نسميه (ما وراء المظهر). والدليل على ما أقول انهم منحوا الجائزة الأولى تمثالا أزرق يمثل شيخاً معمما مهندما جالساً على حصيرة آنية جلسة يجلسها المصلون إذا ما فرغوا من صلاتهم وراحوا يسترجعون في أذهانهم ما أنفقوه وما كسبوه في يومهم،