للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويستعيدون إلى ذاكرتهم ما قيدوا أنفسهم به من مواعيد أعمالهم أو لهوهم. . . كل هذا والمسابح في أيديهم تجري حباتها بين أصابعهم! حبة تضرب حبة كدقات الساعات في جيوبهم لا هم انشغلوا بها، ولا هي لفتتهم إلى أوقاتهم. هذا التمثال الذي لا يطالع ناظره بأي معنى من معاني الصلاة أعطى الجائزة الأولى لأن مظهره حسن في أعين حضرات المحكمين. والحق أنه أهل لجائزة ولكن على أن يقدم في مسابقة يكون موضوعها: (الجلوس على الحصيرة) لا (الصلاة)!

أما تمثال الصلاة فقد كان له أشباهه في المعرض لست أدري كيف غمضت عنها عيون المحكمين، فقد كان في المعرض تمثال لشيخ فانٍ يقرأ التحيات، ويومئ بسبابته اليمنى شاهداً أن لا إله إلا الله، ويميل بكتف إلى جنب ميلة من ثقلت عليه الحياة فصبر، ولكنه تخاذل فضعف وآن له أن يتحطم، ولكنه استعان على ماضيه وحاضره ومستقبله. . . بالصلاة. وكان في المعرض أيضاً تمثال لرجلين أحدهما كَبَّرَ ووقف يتلو الفاتحة، والآخر لحقه فائتم به ورفع يديه ينوي الصلاة وراءه. . . وقد ألقيت النظرة الأولى على هذا التمثال فلم أملك إلا أن أَتَلوّى، فقد نخسني وجه ذلك الرجل المتلهف على الصلاة نخسة موجعة. ذلك أن صاحبه أفرغ في وجهه روحاً من البله والعته كانت أمر سخرية من صلاة الكثيرين!

كان هذان التمثالان في المعرض وأولهما يكاد يفعم قلب الناظر إليه إجلالاً وخشوعاً إذا كان الناظر قد جرب الصلاة مثقلاً بالذنوب وبالحياة، مؤملاً في رحمة الله ومغفرته، مسلماً له شأنه، مفوضاً له أمره. وثانيهما كما رأيت فيه هذه الفكرة العجيبة الجريئة الشاذة التي ينقد بها صاحبه صلاة الكثيرين من المصلين. . ومع هذا فإن هذين التمثالين قضيا ما قضيا من الأيام والليالي في صالة الكنتننتال، وحظيا ما حظيا بشرف المثول بين يدي معالي وزير المعارف وزملاء معاليه وزميلاته، ولم يلق عليهما واحد من هؤلاء تحية، ولم يسعدهما من أولي الحل والربط في فنون هذا البلد نظرة تقدير أو إعجاب

ولندع الآن الحديث عن معرض مختار لنعود إلى ما كنا فيه من الحديث عن فن النحت نفسه، ولنحدد مكان هذا الفن من الفنون الجميلة. واحسبني الآن في غنى عن تكرار التدليل على أن الحواس الإنسانية هي منافذ النفس، وعلى إن النفس تحصل عن طريق هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>