يمكن - وبعبارة أخرى إذا غلبت الحكمة على العاطفة والغريزة وسيطر العقل على النفس.
هل حققت جامعة فؤاد الأول هذا المثال الجامعي كما تعطيه دعاية الداعين؟ وهل يبتعد الأزهر كثيراً عن هذا المثال الجامعي كما يفرضه تصوير المتحدثين عن تقصير الأزهر من الأزهريين؟
جامعة فؤاد الأول حوَّلت المدارس العالية لوزارة المعارف في سنة ١٩٢٥ إلى كليات. وجعلت داخل الكلية الواحدة أقساماً مختلفة حسب مواد الدراسة. وألحقت بكل قسم مكتبة خاصة به فوق المكتبة العامة. وعينت أساتذة مصريين وغير مصريين، ومساعدين للأساتذة، ومدرسين، ومعيدين. أي أنها أتمت النظام الجامعي.
والأزهر الذي أراد أن يكون جامعة منذ عشر سنوات تقريباً حولّ الدراسة العالية فيه إلى كليات وألحق بها أقساماً للدراسات العالية، وأوجد بكل كلية مكتبة خاصة بها غير مكتبته العامة. وانتدب أساتذة من رجال الجامعة، ورجال وزارة المعارف بجانب مدرسيه
والفرق في هذا فقط أن جامعة فؤاد الأول أغدق عليها من مال الدولة - وربما تحت تأثير الدعاية - فكانت لها أبنية فخمة؛ وأنشئ بها كراسي متنوعة للأساتذة ومساعديهم وجلبت لمكتبتها الكتب الحديثة والفنية. وأن الأزهر - ربما لإظهاره بمظهر المقصر في رسالته أو اضعف شيوخه - لم تقتنع الدولة بالزيادة السخية في ميزانيته، ولم يتضح لها من المبررات ما يزحزحها عما تعتقد من أنها متفضلة على الأزهر إذا هي تركت له ما اعتاد إنفاقه سنوياً. والزيادة في الإنفاق في العصر الحديث تكون لزيادة المقابل من منفعة عامة أو خاصة. والأزهر في أوقات كثيرة صور نفسه أو قبل أن يُصور بأنه يُمنح ولا يعطى
هذا الفرق لا يكسب جامعة فؤاد الأول قربها من المثال الجامعي، كما لا يصور الأزهر بعيداً عن هذا المثال، لأن هذا الفرق يتعلق بالشكل، ولأنه نتيجة لقوة سلطان وضعف سلطان آخر ليس سلطان العلم وليس سلطان البحث
رجال جامعة فؤاد الأول أخرجوا كتباً وألفوا. أخرجوا على الطريقة الجامعية كتباً مفهرسة حسنة التبويب والتنظيم، روعي في التعليق عليها إثبات الفروق بين الروايات المختلفة، والتعريف بما ورد فيها من مصادر متعددة. وألفوا كذلك كتباً؛ وألفوا في الفلسفة والتاريخ والأخلاق. ولكن الكثير من هذه الكتب المؤلفة يلازمه الغموض في التعبير عن الفكرة،