وتندر أو تنعدم فيها شخصية المؤلف. والغموض في التعبير يدل غالباً على عدم نضوج الفكرة أو عدم هضمها عند المعبر، وضعف الشخصية في التأليف أو انعدامها يدل على سيطرة الروح المدرسية وضعف الروح الجامعية. فإخراج جامعة فؤاد الأول إخراج يسير على النهج الجامعي في العرض، وتأليف رجالها لم يخرج بعد عن النطاق المدرسي؛ وإذا كان للإخراج قيمته في تكييف المستوى الجامعي، فالمقدِّم الأول لهذا المستوى هو التأليف العلمي الذي تبدو فيه شخصية المؤلف واضحة، وليس هو جمعاً لمنثور الفكر أو تنظيماً لمشتت الآراء
فجامعة فؤاد الأول تسير بلا شك في الطريق الجامعي، وقطعت فيه شوطاً لا بأس به، ولكن دونها والوصول إلى المستوى الجامعي خطوات أخرى يشق فيها السير ويكثر فيها التعثر، وهي خطوات الشخصيات العلمية الجامعية
الأزهر أخرج في نطاق ضيق، وألِّف في نطاق ضيق كذلك، لأنه ابتدأ منذ وقت قريب فقط يدرك أنه في حاجة إلى إخراج، وفي حاجة إلى تأليف، وفي حاجة كذلك إلى ترجمة بعد أن كان لا يستطيع أن يتصور أنه في حاجة إلى غير المتوارث من كتب والى غير المألوف من نمط في إخراجها لضغط التقاليد على العقلية فيه، وكما تندر الشخصية أو تنعدم في تأليف جامعة فؤاد الأول، تندر أو تنعدم كذلك في تأليف الأزهريين. ولعل سبب هذه الظاهرة هنا وهناك هو قرب عهد مصر بالنهضة العلمية وقرب عهد المؤلفين - على الخصوص - بالاستقلال الشخصي. ولعل الرغبة في كسب الرأي العام - وهو على ما به من شدة الولع والحرص على التقاليد - من أسباب عدم الاستقلال أو من أسباب عدم الجرأة في الاستقلال
لا أنكر إذا على جامعة فؤاد الأول أنها بدأت العمل الجامعي، كما لا أنكر على الأزهر ذلك الآن؛ ولا أنكر على جامعة فؤاد الأول أن خطواتها في السير الجامعي أسرع من الأزهر، وأنها ستحقق المستوى الجامعي قبل الأزهر، لا لضعف في العقلية الأزهرية، بل لأن للأزهر من مهمته الأولى وهي الدين والمحافظة عليه - ويتبع ذلك التقاليد، وما أشق الفصل بينها وبين الدين - ما يقلل من سرعته في السير، ويعلل بطاه في الوصول إلى المستوى الجامعي، ولكنه سيصل