للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جاء الصيف يا سيدي فعدت وعادت، ونزلت على عطف أبويها في مصيفهما بالرمل نزول الابن الموموق على حنان أبويه بعد غيبة طويلة. ولكني رأيت الوجوه غير الوجوه! فلا البشر باد في عين الأم كما شهدت، ولا السرور جار على ثغر الفتاة كما عهدت. فلما سألت السيدة عن سر هذا السهوم قالت لي أدخل على ميمي الغرفة فلعلك تجد عندها الجواب

دخلت على ميمي فوجدتها جاثية بجانب السرير تضرع وتبكي. فلم أتمالك أن جثوت بجانبها مغرورق العين مستطار الفؤاد، وأخذت أنفس من كربها وأسالها عما بها، فقالت وهي تنشج بالبكاء:

- مستحيل! مستحيل! لقد أحببتك حتى لم يعد لي هوى إلا إليك ولا فكر إلا فيك؛ ولكنني لا أستطيع الزواج منك لأني مسيحية متعصبة وأنت مسلم محافظ. ولا سبيل إلى أن نتزوج كما تزوج أبي وأمي، فإني وأنت صريحان، وأنا أحتقر دينك بقدر ما أحترمك، وأبغض نبيك بقدر ما أحبك

- ومتى دنت بالنصرانية يا ميمي وأنا وأبواك لا نعرفك إلا مسلمة؟

- دنت بها منذ رحلت إلى لندن، وجعلت الأمر بيني وبين الله حتى أخبرتني أمي بخطبتك فلم أجد بداً من إعلانه

- وهل درست الإسلام يا ميمي قبل أن ترتدي عنه؟

- درسته على الراهبات في مصر وفي إنجلترا وعلمت عنه ما أشفق على وجدانك من سماعه

- لقد درسته على خصومه ومنكريه، فكيف يسوغ في عقلك أن يكون كلام الخصم على الخصم حجة؟

- وعلى من كنت تريد أن أدرسه؟ أعلى أبي وما سمعته مرة يذكر الله، ولا رأيته يوماً يدخل المسجد؟ أم على أمي وقد كانت مسيحية لا تؤمن فأصبحت مسلمة لا تعتقد؟ وهل كان في مقدوري أن أغالب الفطرة وفي نفسي إلى الله شوق نازع لا أملك الصبر عليه متى رأيت السبيل إليه؟

- أنا كفيل بأن أعلمك ما تجهلين من حقيقة الإسلام، فإن أقنعتك تزوجتك، وإلا رجع الأمر بيني وبينك إلى الصداقة، فإنك لا تتزوجينني مسلماً ولا أتزوجك مسيحية

<<  <  ج:
ص:  >  >>