ليسخوا لها بالأموال؛ وعلى قدر الإخلاص والتضحية في الهبة الأولى،
سيكون البذل والإيثار ولا ريب في الهبة الثانية
صحيح أن تلك النهضة بدأت من الشعب وانتهت إلى الحكومة، وأن هذه النهضة ابتدأت من الحكومة وستنتهي إلى الشعب؛ ولكن ذلك لا يقدح في حقيقتها ولا يشكك في نتيجتها، فان حكومة اليوم هي شعب الأمس والذين ألبوا الأنفس على ذل الاحتلال، هم أنفسهم الذين يحمسون الأفئدة لعز الاستقلال؛ وبين عرش الملك، وكرسي الحكم، ومقعد البرلمان، وئام ناشئ من خلوص النية، وانسجام قائم على وحدة الغاية؛ ولن يهلك على خلوص النية رأي، ولن يصل على وحدة الغاية سبيل
افتتح التبرع للدفاع المقدس الوزراء فتبعهم الموظفون؛ فهل يفتتحه من الجانب الآخر الأمراء والأغنياء ليتبعهم الأهلون؟
يريد الوطن الضعيف الأعزل من أولئك الذين ربَّبهم على دلال السرف، وقلبهم في أعطاف النعيم، فحشا أهبهم بخيره، وأفعم خزائنهم بذهبه، وبسط ملكهم على أكثر أرضه، ومد نفوذهم على معظم بنيه، أن يعززوه ليفي عليهم، ويسلحوه ليدافع عنهم، ويبروه ليدوم عليهم بره وظله
ما الذي يحبس هذا الأمير المترف أن ينفق على سلاح وطنه مثل ما ينفق على سلاح صيده، ويبذل في سبيل أمته بعض ما يبذل في سبيل شهوته؟
وما لهذا الباشا البطين صاحب الهيل والهيلمان، وملك الثيران والأطيان، ورب النفوذ والسلطان، يقر أذنه عن نداء وطنه، وإنما عظمته من فضله، وعزته من أهله، وثروته من ثراه! أيتلكأ الباشا ويتباطأ الأمير حتى تنشأ عدة الدفاع مما يرضخ به الفقير والأجير والعامل؟ وهل ترك هذا أو ذاك لأحد من هؤلاء شيئا يعطيه؟ وهل من المروءة أن يدعا الفقير أو الأجير يتبرع من قوته وهو لا يكفيه؟
سادتي أصحاب السمو وأرباب السعادة! أن الفقير يغذيكم طيلة العمر بعرقه، وسيدافع عنكم يوم الفزع بدمه، ولن يكلفكم هذا الصابر المسكين إلا أن تشتروا له الفأس، وتقدموا له السلاح فهل هذا كثير؟