داخلة ضمن رسالته تلك ومما يساعده على النجاح وقوة الأثر في هذه الرسالة نفسها. ولكن هناك شرط واحد لاشتغال، أو لجدوى اشتغال، رجل الدين بالسياسة، هذا الشرط هو (التجرد).
التجرد من العامل الشخصي والتجرد من التحزب لفرد أو لجماعة أو حزب خاص مهما يكن اثر هذا الفرد ووضعه، ومهما كانت الجماعة أو الحزب من العمل - حتى العمل الوطني - أو من الحكم.
رجل الدين يجب أن يكون وضعه بالنسبة للأمور السياسية في موضع الفيصل والحكم والميزان. يذكر الناس إذا انحرفوا في اتجاههم السياسي أو انحرفوا في الحكم، ويدعوهم للاستقامة والخير والتجرد كما يتجرد هو - أو كما هو المفروض أن يتجرد هو - من الغايات والرغبات. كما يدعو الناس إلى دعوة الله من البر والخير والمودة إذا انحرفت بهم نزوات النفس أو مالت بهم إلى الخروج أو البعد عن الغايات المثالية التي اصطفى الله رجل الدين الحق لرعايتها وتوجيه الناس لها.
رسالته في السياسة، كما هي رسالته في الدين والمجتمع، هي العودة بالناس من الانحراف إلى الاستقامة، والرجوع بهم إلى المثل أو ما هو قريب من المثل العليا إذا بعدت بهم النزوات والرغبات والخصومات عنها.
وأما الوطنية فلا شك أنه من الخير أو من الواجب أن يشتغل بها رجل الدين، على نفس هذه الأسس، وقد كانت السياسة المصرية نفسها قبل ثلاثين أو أربعين سنة قائمة على الدين وكانت دعوة الحزب الوطني تتجه هذه الوجهة وتقوم على هذا الأساس، وإن كنا لا نحب أن نرجع إليها، ولن نرجع.
والمفهوم من الوطنية طبعاً هو الدفاع عن الحق الذي سلب من أهله، والعمل على رد هذا الحق لأصحابه.
وماذا يكون رجل الدين إذن وماذا تكون رسالته إذا لم يدافع عن الحق ويعمل على نصرة أهله. .؟ فكيف إذا كان أصحاب هذا الحق بينهم وبينه ما أصحاب الوطن الواحد من الوشائج، والصوالح أيضاً.؟