الوطنية التي أقصدها في هذه الكلمة هي الاشتغال بأمور الوطن، أو ما نسميه (بالصالح العام) بما ينطوي تحت هذا من الصوالح السياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وما دمنا شعباً لم يستطع بعد أن ينال جميع حقوقه الوطنية، فإن شواغلنا من هذه الناحية ستكون دائماً في المحل الأول.
وأما السياسة فهي، عندي، ما هو أعم من ذلك وأشمل، هي ما يتعلق بسياسة الوطن الأصغر الذي هو مصر والوطن الأكبر الذي هو العالم، وتدخل في ذلك طبعاً نظم الحكم ومحاسبة أصحاب السلطة الذين أخضعتهم القوانين العامة للمحاسبة،
فهل لرجل الدين، إذن، أن يشتغل بالأمور السياسية والوطنية. .؟
أما نحن في مصر والشرق، فالفهم السائد بين كثير من الناس ومن رجال الدين أنفسهم أن رجل الدين لا شأن له، أو يجب ألا يكون له شأن بذلك، ولكني أعتقد أن هذا الفهم بقية من بقايا الظروف والملابسات التي سيطرت على الشرق أزمنة طويلة وجعلت الابن، في بعض الأوقات يقتل أباه والأخ أخاه في سبيل الملك أو السيادة. تلك الملابسات التي جعلت الناس يؤمنون ويتوارثون بأن النجاة في السلامة والانكفاف عن المشاركة وقالوا وتواصوا: أنج سعد فقد هلك سعيد. وكانوا على حق. - وجعلت هذه الملابسات - من جهة أخرى أصحاب السلطان، في الزمن القديم، لا يؤمنون بأن لرجل الدين حقاً في الاشتراك أو المشاركة أو التوجيه، بل هو يوجه العامة إلى ما يقصد ويراد. وكلاهما، الموجه والموجه، لا (حق) له فيما سوى ذلك، لو صح أن ذلك (حق).
ولكن أحوال الناس وظروف الحياة قد تغيرت تغيراً كبيراً، وأصبحت السياسة والاشتغال بها حقاً مشاعاً لكل مواطن، وليست خاصة أو محصورة في طبقة معينة من الناس يسيرون مقادير الشعوب وأمورهم من وراء الحجرات.
رجل الدين له رسالة خاصة، لا شك في ذلك، وهي رسالة لو أديت على وجهها الصحيح لكانت من أهم الأسس التي يقوم عليها نظام المجتمع الشرقي وهدوءه وانسجامه، وكانت سبباً أو عاملاً في انحسام أو نقصان كثير من عوامل الشر والجريمة والتقلقل في هذا المجتمع.
ولكن هذه الرسالة الخاصة ليست مانعاً من اشتغال رجل الدين بالأمور العامة، بل قد تكون