للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اختصاص الدولة. وهذا يفسر لنا أن مجرما خطيرا مثل آل كابوني لم تستطع الدولة أن تحاكمه من أجل الجرائم العديدة التي ارتكبها في سبيل تجارة الخمور المحرمة، بل حاكمته من أجل تقصيره في دفع ضريبة الدخل. اذ كان من اختصاص الدولة أن تحاكمه من أجل هذا الجرم الخفيف نسبياً، لا من أجل الجرائم الكبرى التي هي من اختصاص الولاية.

ولابد لنا أن نتساءل عن المؤثرات والقوة التي دفعت بالولايات المتحدة نحو التحريم، اذ ليس من السهل أن نفهم هذا الانقلاب الهائل في الرأي العام، فان الأمة التي نادت بالحظر الشديد في سنة ١٩١٩ هي بعينها التي تنادي اليوم بالإباحة. إن هذا القانون لم يفرضه الحكام على الناس فرضا، بل لقد فرضته الأمة على نفسها بعد انعام النظر وطول التجربة. وقد كانت في الولايات المتحدة قوى كثيرة تعمل بنشاط لتحريك الرأي العام وتحويله نحو التحريم. وهذه القوى كانت موجودة دائماً تنتظر الفرصة الملائمة، وكان لها تأثيرها قبل سنة ١٩١٩. ونرى هذا واضحاً في أن اكثر من الثلاثين ولاية قد حرمت الخمر من تلقاء نفسها قبل سنة ١٩١٩. ولكن هناك فرق كبير بين أن يحرم الشيء في كل ولاية على حدة، وبين أن يحرم بقانون من الدولة؛ ففي الحالة الأولى تراعي كل ولاية مصلحتها الخاصة ويسهل عليها تعديل وإلغاء الأحكام، ويمكن لمن لا يرضيه قانون أن ينزح إلى ولاية مجاورة (وهذا هو الحال مثلاً فيما يتعلق بقانون الطلاق). أما قانون الدولة فيفرض على جميع الولايات بمجرد موافقة ثلثيها. فيفرض على الراغبين والكارهين على حد سواء، ويصبح كل فرد ولا مفر له من الإذعان أو العصيان، ثم تجرد جميع قوى الدولة لتنفيذ هذا القانون بكل ما تقدر عليه الدولة من الشدة والصرامة.

ولهذا كله فان تحريم ثلاثين ولاية للخمور لم يكن له تأثير ذو شأن، ولكن التحريم في الدولة كلها كان حادثاً ذا شأن خطير.

كان اهم الراغبين في التحريم رجال الصناعة في الشمال، ورجال الزراعة في الجنوب. فالأولون (ويمثلهم المستر هنري فورد) قد رأوا أن الخمر تذهب بقوى العمال وتضعف صحتهم وتقلل من جهودهم، فلا يستطيع صاحب المعمل أن يحصل من عماله على الجهود التي يرجوها في مقابل الأجور التي يدفعها. أما أصحاب الزراعة في الجنوب فيعتمدون في زراعتهم على الزنوج، وهؤلاء كانت تذهب الخمر بألبابهم وتقعدهم عن العمل، وتتركهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>