للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في حالة زرية. والزنجي أقل قدرة على ضبط نفسه والوقوف في الشراب عند حد. وكان هناك غير هؤلاء جماعات من محبي الخير الذين يكرهون الخمر لذاتها، ويريدون أن يخلصوا الناس من شرورها، مؤمنين بأن في هذا رفعاً لشأن بلادهم، وإعلاء لكلمتها، ويمثل هذه الجماعة المستر جون ركفلر الصغير وزمرته. وقد انتشر في الولايات المتحدة قبل التحريم نوع من الحانات أطلقوا عليها اسم الصالون قد أصبح على مضى الزمن بؤرة فساد وموبقات. وقد كبر بغض الناس لهذه الصالونات حتى دفعهم إلى المطالبة بالتحريم. مع أن إبطال هذه الأماكن قد لا يستدعي هذا العلاج الصارم.

بذلت هذه الجماعات كلها جهوداً جبارة ومالأ كثيرا من أجل استمالة الرأي العام. وساعدتهم الحرب العامة التي استدعت تحريم الخمر في بعض الولايات، والتقليل من شربها في البعض. وتم لهم النصر في يناير سنة ١٩١٩ حين حرمت الخمر في جميع الولايات بإجماع ٤٦ ولاية من الثماني والأربعين التي تتألف منها الدولة، وحرم بيعها وصنعها والاتجار بها واستحضارها من الخارج. وجهزت الدولة جيشا هائلا وأسطولاً قوياً لتنفيذ هذا القانون. الذي أعطى شكل تعديل في الدستور وأطلق عليه اسم التعديل الثامن عشر، ومن الغريب أن دستور الولايات المتحدة لم يعدل يوما بمثل هذا الإجماع وهذا الاقتناع وتلك الأكثريات الساحقة.

لقد وصفت الولايات المتحدة بأنها معمل هائل للتجارب الاجتماعية، ولكن لا يعرف في تاريخ العالم كله تجربة اجتماعية ضخمة كهذه التي أقدمت عليها أمريكا في تلك السنة. فان المعمل الذي أجريت فيه هذه التجربة ليست بلدا صغيرا كفنلنده، بل دولة مساحتها تزيد على ثلاثة الملايين من الأميال، وسكانها يربون على المائة والعشرين مليوناً مختلفي الجنس والثقافة والميول. وان البلاد الإسلامية نفسها هي أولى من أي بلد في العالم بإجراء مثل هذه التجربة لم يعرف عنها يوماً أنها حاولت بذل مثل هذا الجهد في أي عصر من العصور من أجل تنفيذ أحكام الشريعة.

ولهذا دهش العلم كله يوم أقدمت الولايات المتحدة (حرة مختارة) على هذه التجربة الخطيرة. وإننا اليوم (وقد أصبحنا عقلاء بعد أن وقعت الواقعة) نستطيع أن نقول أنه كان الأفضل أن تترك مسألة الإباحة والتحريم إلى كل ولاية تتصرف فيها بما تشاء بدلا من أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>