ولا أدرى كيف استطعن تحمل ذلك كله، ولكن رقصهن استمر متزنا زهاء ساعتين.
كان الرقص في بادئ الأمر رائعا، فأيديهن رشيقة، وحركات أردافهن تستلفت الأنظار، وقد صفقنا لهن مرارا. ثم أخذن في الاقتراب منا شيئا فشيئا. أثناء انسيابهن في باحة القصر. وإني لأتذكر كيف مال جورج فرير مساعدي، البالغ من العمر التاسعة عشر بجسمه نحوي ثم أخذ يصفر في هدوء.
ثم بدأ اهتمامي يزول. ولعل مرد ذلك عائد لاطراد الرقص على نسق واحد رتيب، أو للإعياء الذي انتابني، ولكن السبب الرئيسي هو أن إحدى الفتيات انحنت أمامي حتى شممت شعرها.
إن البدويات يستعملن بول الإبل لتجعيد غدائرهن، فتأكدت أن هؤلاء الغجريات لا يخرجن علة تلك القاعدة. لذلك تلاشى تأثيرهن، وما انتهى العرض حتى لم يبق مما يثير الإعجاب سوى جلد الراقصات - وجلدنا.
كانت أعمار الراقصات الأربع تتراوح ما بين الثانية عشر والثلاثين تقريباً. وقد قال لي الشريف حسين إنهن غادرن اليمن لأن الحكومة تأبى عليهن الرقص مع الرجال، وتعارض في ممارستهن بعض المهن الأخرى التي يقمن بها بغية الكسب. أن مثلهن كمثل المومسات في الصحراء في تهافتهن على المال - قل أم كثر.
إن البون شاسع بين بول الأبل، وبين اللبان والمر اللذين كانا يبثان في سماء بيحان جوا السحر. لقد سجل ديونيسوس الكاتب اليوناني، ثناءه على البلاد حوالي عام ٩٠ بعد الميلاد، في الوقت الذي كان يكتب فيه إنجيل يوحنا. فقال (إنك لا تتنفس في (العربية السعيدة) غير أريج اللبان أو المر من البهارات العطرة. وإن لأهلها قطعانا عظيمة من الضأن تتغذى بما في مراعيها من العشب والكلأ، وإن الطير تهوى إليها من الجزائر النائية تحمل إليها أوراق القرفة.).
قامت اقتصاديات أربع من الممالك الهامة على ما كانت تدره قوافل البخور في جنوب الجزيرة العربية من الثراء زهاء ألفين من السنين فقد كانت القوافل تنساب في مهل من غابة البخور في حضر موت، متجهة نحو الشمال على طول الجزيرة، وهي تقدم في طريقها الإتاوة، والحماية، لعدد لا بحصى من القبائل، ثم تعود محملة بالذهب، والفضة، من