قد جعلت تجديد الدين من أهم أغراضها، وجرت الأقلام بهذا الأمر على صفحاتها لعل فيما نذكره تبصرة للمصلحين ومعيناً للمجددين
ولا يفوتنا أن نذكر أن الذي دعا شيخنا رحمه الله إلى ذلك أن وجد هذا المعهد الكبير لا يدرس فيه الدين وعلومه كما يجب أن تكون الدراسة الحق بل كان (التقصير في دراسة الإسلام فيه أمر ظاهر) كما بين ذلك أبلغ بيان أديب العربية الكبير (محمد إسعاف النشاشيبي) في كتابه النفيس الممتع (الإسلام الصحيح)
ولقد كان أول نقد صريح وجهه (المنار) إلى علماء الأزهر الذي صدر في شهر شعبان سنة ١٣١٦ عن بدعة احتفالهم بمولد الإمام الشافعي الذي يسمونه (الكنسة) إذ كانوا يكنسون قبة الضريح ويقسمون كناستها بينهم للتبرك بها ويكون نصيب كل واحد منهم في هذه الكناسة بمقدار درجته العلمية، وكذلك كانوا ينقلون العمامة التي على المقام من رأس عالم إلى رأس آخر ليستزيدوا من البركات ويستكثروا من النفحات. ورحم الله شيخنا المحدث اللغوي الشيخ محمد محمود الشنقيطي فقد سحت قريحته بقصيدة رائعة في هاتين العبادتين الوثنيتين اللتين يقترفهما علماؤنا مصابيح الظلام، وأئمة الهدى الأعلام؛ ولو كان المجال ذا سعة لأوردنا هنا هذه القصيدة العصماء، ليعجب القراء بها، ويتندروا بما جاء فيها وكان أول انتقاد على علماء الأزهر أن أحد أعضاء مجلس إدارة الأزهر وهو الشيخ أحمد الرفاعي كان يجادل يوماً الأستاذ الإمام محمد عبده في أمر علم السنة وتعليمها، فكان مما قال هذا الشيخ:(إن علم السنة لا حاجة إليه، ولا يجوز لمسلم أن يأخذ بالحديث، بل (الواجب) الأخذ بكلام الفقهاء، ومن يترك فقهاء مذهبه للأخذ بحديث مخالف فهو زنديق)!
ثم اخذ المنار يبين لشيوخ الدين أنهم أبعد الناس عن معرفة فن التعليم، وأنهم لا يقرنون العلم بالعمل، وكان يحثهم دائماً على العناية بعلم الأخلاق. ولما وجدهم يصدون عن تعليم العلوم الرياضية والطبيعية، وأن كبارهم يفتون بأن هذه العلوم لا لزوم لها، صاح فيهم:(إن الإصلاح الإسلامي يتوقف قبل كل شيء على إقناع العلماء ورجال الدين بأن العلوم الرياضية والطبيعية التي محور الثروة والقوة لازمة لا مندوحة عنها، ويجب أن تعلم مع الدين) ومما عابه عليهم وآخذهم به أنهم يشاركون العامة في الخرافات والبدع ولا يكتفون بذلك بل يدعون الناس إليها ويحضونهم عليها بما جعلنا ضحكة بين الأمم وسخرية بين