المتواصل؛ ونراه يتعجل الثروة قبل أوانها ويتعجل المجد قبل أن يحين حينه، يضجره البطء ويقضي عليه التسرع فيسلمه للفشل كمن قيل فيه:(إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى). ونراه متراخياً متواكلاً يفضل الاعتماد على والديه وذويه وما يمنحونه إياه من فضلات الرزق، على القليل مما قد يصيبه من الكد وعرق الجبين، وهكذا نجد في شبابنا نقصاً في نواح متعددة بل في كثير من الصفات التي تقتضيها الرجولة ويحتمها الجهاد في الحياة الحاضرة. وما ذلك إلا لأن المدرسة لم تجد من الوقت ما يمكنها من العناية بغرس تلكم الصفات الضرورية في أبنائها لأنها خصصت كما ذكرنا في مقالنا السابق كل وقتها لحفظ الكتب المؤلفة في برامج الامتحان ليصل الطالب إلى الشهادة التي كانت ذات قيمة ذهبية في سوالف الأيام، وقد أصبحت اليوم في نظر عقلاء المجتمع لا قيمة لها في الحياة العملية العامة. وإذا كان الإنتاج العقلي كما قررنا هو الأساس الذي تبنى عليه قوة الإنتاج المادي فإن الأمم الحية لا تعنى بالإنتاج العقلي وحده مهملة في معاهدها كما فعلنا نحن في معاهدنا، الاتصال المباشر بمصادر الإنتاج المادي ولكن السياسة التي يسير عليها التعليم في تلك الأمم تقوم على فكرة حصر الإنتاج العقلي على قدر الإمكان في المتفوقين من أبنائها فلا يباح لكل متوسط العقل أو ضعيفه أن يخترق الصفوف إلى معاهد التعليم العليا ما دام قادراً على دفع مصروفاته كما هو الحال عندنا. ولكن هؤلاء قبل أن يتزاحموا على أبواب المعاهد العليا تزاحمهم عندنا اليوم، يوجهون توجيهاً صحيحاً إلى معاهد الإنتاج المادي لتتكون منهم فئات الزراع والصناع والتجار العاديين قبل أن يكونوا عالة على معاهد الثقافة العليا فلا يكون الكثيرون منهم نكبة على تلك المعاهد فقط بل نكبة كذلك على الإنتاج العقلي نفسه! بهذا تتكون طبقات الأمة عند تلك الأمم تكوناً صحيحاً، وتنحصر القيادة العقلية والعلمية في المتفوقين من ذوي العقول الناضجة والإفهام القوية، ولا توجد عندهم تلك الثقافة المزيفة التي تحمل شبابنا من شعبة الرياضة اليوم مثلاً على أن يلجئوا مكرهين كليتي الحقوق والتجارة مع أنهم لم يخلقوا لهما، تلك الثقافة المزيفة التي وصفها الأستاذ العقاد في إحدى مقالاته بالرسالة بقوله:
(فالثقافة المزيفة بلاء لا تنحصر أضراره في الأدب والفن والتأليف، ولا يزال يسري في كل شعبة من شعب الحياة حتى يعطل القوة العسكرية والقوة البدنية والقوة الحيوانية في