النهاية وهي القوى التي يظن أنها أغنى ما تكون عن الثقافة والمثقفين)
من اجل هذا كله إذا بحثنا في إنتاجنا العقلي الحالي نجده مع الأسف ضئيلاً عقيما فما بالك إذن بالإنتاج المادي! ليس لدينا من الهيئات العلمية إلا العدد القليل، وأهمها طبعاً كليات الجامعة وهي وإن كانت لا تزال ناشئة إلا أننا كنا نأمل منها في زهاء ١٥ سنة مضت أن تثبت وجودها العلمي بين جمهور المثقفين كما أثبتته بين جدرانها الخاصة، فهي وإن كانت لها بحوث علمية إلا أنها إلى الآن لم يحس الجمهور المثقف بوجودها لأنه لم يستفد من بحوثها إلا قليلاً ولأنه لم يحس بأثر لها في الحياة العامة أكثر مما كان للمدارس العالية قديماً، فالجمهور لم يستفد شيئاً محسوساً إلى اليوم في أغانيه وأناشيده وأقاصيصه القومية من كلية الآداب مثلاً، والجمهور لم يجد فائدة تذكر من كلية العلوم وكلية الزراعة ومصلحة الكيمياء في أمور تتصل بالصميم من حياته الإنتاجية كمسألة دودة القطن التي تقضي على ملايين الجنيهات من ثروته سنوياً، لا ولا فيما هو أبسط من ذلك كالفوائد الصحية التي يمكن أن تجنى من عين مائية كالعين الجديدة في حلوان الخ
فإذا انتقلنا خطوة إلى التعليم الفني الزراعي والصناعي والتجاري وهو التعليم المتصل اتصالاً مباشراً بحياة الإنتاج المادي وجدنا حالة مع الآسف لا تسر أي مصري، إذ ليس لتلك المعاهد بأنواعها أثر يذكر في ذلك الإنتاج، لأن جميع خريجيها لا يعنون بمصادر الإنتاج المادي ولا يعبئون بالاتصال به. إنما همهم جميعاً الحصول على الوظيفة حتى ولو كانت وظيفة كتابية أو إدارية لا علاقة لها بفنهم. ولقد شرحت عيوب هذا النوع من التعليم في مؤلفي (التعليم والمتعطلون في مصر) من صفحة ٢٤٦ إلى صفحة ٢٥٣
أما التعليم العام فالإنتاج العقلي يكاد يكون معدوماً بين رجاله أنفسهم، لأن كل إنتاجهم محصور في عدة كتب خاصة بمناهج الدراسة ليس للابتكار أثر فيها لأن معظمها منقول عن الكتب الإفرنجية لغرض الكسب المادي لا لغرض الثقافة والتثقيف، مما لا يحبب الطالب في المطالعة بل يبعده عنها ويبغضه فيها، على عكس الحال في المدارس الأجنبية التي تعتبر الغرض الأساسي من وجوها ووجود مؤلفاتها إنما هو تعويد أبنائها القراءة وتحبيبهم في المطالعة وإفهامهم جيداً أنهم إذا تركوا المدرسة فإنما يتركونها ليبدؤوا تعليمهم الحقيقي المستمد من داخلية نفوسهم بالاطلاع على الكتب المختلفة، مما لا أثر له عندنا مع