مصر ولبنان وفلسطين وشرق الأردن، فنهضوا إلى تلبية دعوتها الكريمة فخورين مبتهلين، فإن مصر قد أحسنت من جانبها كل الإحسان، إذ رأت أن يكون رئيس الوفد المصري في هذه السفارة وزير العدل، ثم أحسنت كذلك مرة أخرى إذ اختارت صاحب المعالي الأستاذ محمد صبري أبو علم باشا بذاته، ليكون رسول أمته في تبليغ أمانيها وتوضيح غاياتها بين وفود العروبة في هذا المؤتمر، فإنه بعقله وحكمته، وبما حباه الله من سعة الإدراك والمواهب، وبما تم له من شرف السمعة وقوة الخبرة أبلغ ما يكون في تبليغ الرسالة، وأقدر ما يكون لحمل الأمانة، وأوفق ما يجب لتمثيل مصر الزعيمة بين وفود الأقطار الشقيقة
أحسنت مصر كل الإحسان ووفقت حكومتها كل التوفيق في اختيار معالي صبري باشا في هذه المهمة نظراً لما اكتمل بشخصيته من بلاغة الحجة، وبراعة التعبير، ودقة البحث وعمقه في ميدان التشريع، ثم هو في ميدان الدعوة للعربية يمتلئ غيرة وحماسة ويتدفق إيماناً بالحق ويقيناً بالصدق، مما وسع له في المنزلة والمكانة في قلوب أبناء الأقطار الشقيقة؛ فكلهم له أخ وصديق، وهو لهم جميعاً أخ وصديق، لهم في قلبه وفي نفسه ماله في قلوبهم وفي نفوسهم، ولا ريب أنه كان يعبر عن ذات نفسه أصدق تعبير، إذ قال عند سفره:(إنني بانتقالي إلى سوريا أنتقل إلى قطعة من مصر وأهل هم من أبناء مصر)، لأنه هكذا يرى في كل قطر من أقطار العربية وهكذا إحساسه نحو أبناء العروبة.
ولقد كانت لفتة بارعة من هذا الفطن اللبق، إذ تقدم إلى فخامة رئيس الجمهورية السورية بهدية متواضعة في قيمتها ولكنها عظيمة في دلالتها. أجل لقد قدم إلى فخامته مسبحة حجازية، وماذا تكون قيمة المسبحة مهما بلغت، إلا أنها جلب من الحجاز الشقيق، فهي إشارة لها مغزاها ومعناها في الحرص على جمع الشمل، وتوطيد الوحدة الجامعة، وإلا فما كان أهون على الوزير أن يختارها هدية منسوبة إلى مصر، ولكنه يرى أن مصر والحجاز وسوريا وسائر الأقطار الشقيقة كلها وطن العروبة، وكل ما فيها عام للجميع.
بهذا الشعور الفياض الدافق قصد معالي صبري باشا إلى ملاقاة أبناء العروبة في سوريا، وبمثل هذا الشعور اليقظ النابض تلقوه مرحبين مبتهجين يرون في صورته صورة مصر الزعيمة الأمينة، ويلمسون في إحساسه الشريف إحساس مصر الصادقة الغيور؛ فهو ينزل فيهم على الرحب والسعة، ويمشي على الإكرام والتكريم؛ فاستقبله فخامة الرئيس استقبالاً