يفيض بالمحبة والمودة، ودعاه الوزراء والكبراء إلى حفلات تكريم هي مظهر الصداقة والأخوة، وصدرت الصحف كلها مزدانة بصورته، تطرى فيه عالماً جليلاً وقائداً مجاهدا ووزيراً مشرعاً ورسولاً كريماً من الكنانة الخالدة إلى شقيقتها المحبة المخلصة؛ فماذا يكون هذا كله وما الغرض منه والدافع إليه إلا أنها عواطف أبناء العروبة، نضجت على الإخاء واستوت على الرخاء، وإلا أنها منزلة كريمة لمصر بين شقيقاتها من الأمم يرفع لواءها زعيم مصر ويؤدي رسالتها وزير مصر
لقد تجلى هذا الشعور كأوضح ما يكون في موقف الوزير في حفلة افتتاح المؤتمر ليؤدي تحية النيل - على حد تعبيره - إلى بردى والفرات وفلسطين ولبنان وشرق الأردن مقرونة بالإعجاب وعرفان الجميل. فلم يقف في أداء هذه التحية عند واجب المجاملة الكلامية، بل ولم يقف عند الحدود المرسومة لمباحث المؤتمر ومداولاته، ولكنه امتد في التحية بما تطمع إليه مصر وما ترجوه لشقيقاتها من الخير وما تتمنى أن يكون من عقد المؤتمرات النافعة المثمرة، إذ قال في خطبته موجهاً الخطاب إلى فخامة رئيس الجمهورية السورية ورجال حكومتها الاماجد وأعضاء المؤتمر:
يا فخامة الرئيس
يجتمع حولك في هذه القاعة ممثلو البلاد العربية، وإن اجتماعهم في هذه الظروف وفي هذه المناسبة لفياض بالمعاني، جياش بالحقائق، هاتف بالرجاء في المستقبل، عازف بألحان الأمل البسام، هابط برسالة المجد والسلام، ناشر لصحيفة من الصحف الأولى، صحف الأولين الخالدين من أبطال التاريخ العربي المجيد
نجتمع هنا في هذه القاعة حاملين إلى فخامتكم، وإلى حكومتكم، وإلى كل أمة ممثلة هنا صورة من الآمال التي تحدونا، وآية من المجد الذي ينادينا، ونوراً من الإصلاح الذي نعمر به نوادينا، نجتمع لا لنستلهم مجداً فردياً. ولا لنستمطر السماء على بلد دون آخر. إن لساننا ليهتف مع الشاعر العربي إذ يقول:
ولو أنى حبيت الخلد فرداً ... لما أحببت بالخلد انفراداً
فلا هطلت علي ولا بأرضي ... سحائب ليس تنتظم البلادا
وإن الوحدة التي يبغيها المحامون المجتمعون هنا للتشريع هدفاً وغاية هي صورة مصغرة