وإن ذلك ليستعصي على البحث إذا لم نحبب إليه ملازمة أبي العلاء، فنوضح له من أسراره ودقائقه ووجود آرائه، ما يستغلق على من يكتفي بالنظرة العابرة، والخطرة الذاهبة. ومتى ظفرنا بتحقيق هذه الغاية، أنس القارئ بفيلسوفنا، وأحسن معه الصحبة، فلم يضجر بأسلوبه، ولم ينفر من غرابته، ولم يجد في فردوسه من الثمار إلا ما وجده (ابن القارح) في جنة الحور، فلا يكسر منها ثمرة إلا خرجت منها عروس أخاذة من بنات الأفكار، بارعة الجمال، تبرق (تتحير) - لحسنها - أبكار المعاني وعرائس الخيال.
١٤ - أغرض الهامش
وقد جعلنا هذا الهامش تبياناً لما أحاط برسالة الغفران من ملابسات، وما بعث عليها من دوافع، حتى يأنس القارئ بجلية خبرها، فيما يطالع من صورها. وعقبنا على ذلك يبسط جمهرة من الأغراض العلائية البعيدة الأغوار، مما لم يتسع له تعليقنا على النص الكامل الذي توخينا في شرحه ما وسعنا من قصد وإيجاز.
وقصارى رجائنا أن تكون فصول هذا الهامش وأجزاؤه عوناً لشبابنا على تفهم ما استسر من مغالق الغفران وخباياها ورائدا يكشف لهم ما دق من غوامضها وخفاياها، وهادياً يؤمنهم مخاوف الطريق، إلى روائع هذا الكنز السحيق، ويقفهم على مرامي هذا الفيلسوف البارع، ويجلو لهم بدائع لفتاته وأمثلته، ومفاتن صوره وأخيلته، ويسلمهم مقاليد فلسفته.
١٥ - ذهب ونحاس
وقد أضفنا بما ترجمناه وقبسناه وشرحناه - كما أسلفنا القول في (حديقة أبي العلاء) - إلى ما يحتويه المنجم العلائي من حر ذهبه الأصفر، قليلاً من النحاس الأحمر، ليصبح كالعملة الذهبية الحديثة، أقرب تداولاً، وأدنى تناولاً وأيسر جدوى.