وإنما تتمنى قطرات الماء أن تصنع ذلك لأنها تحس كأنما تنبع من أعماقك، وتنسكب من نفسك، كما نبعت من السحاب الذي باركته يد الله. . . وانسكبت من القمة الشامخة التي يداعبها البرد ويغسلها الثلج. . .
ألست المرآة الصافية التي تجلو جمال هذا الكون للناس، والعندليب المجلجل الذي يفتح آذانهم على ألوان من مباهجه لم يكونوا يفقهونها لولاك؟!
ألست الناي الخالد الذي يسكب في أسماع الزمان ألحانه فينشط الركب، وتتجدد عزمات القافلة، وتغني السنون، وترقص الأيام!
وقد تظمأ مع ذاك يا أكرم خلق الله، فإن اشتد بك حر الظمأ فاشرب ما شئت من سلافة العيون. . . العيون الخضر الرمادية، والعيون الزرق اللازوردية، والعسلية الصافية التي فيها من مغناطيس الكهرمان. . . واشرب ما شئت من العيون السود التي فيها ذاك المزيج العجيب من الدعج والحور والوطف ما تسكر به وتسحر وتأمر. . . العيون الجميلة النجل التي تغمزك في هوادة ورقة ورفق مرة، وفي عنف وقسوة مرات. . . وهي في الحالتين أمواه حياتك، وحدائق أحلامك، ومشارق خيالك، ومهابط وحيك، ومراتع فتونك، وملاعب هواك
العيون الموسيقية التي لا يتسع غيرها لملكوتك الرحب الذي لا يعرف الحدود!
إشرب منها ما شئت، ثم تصدق بما تنبته تلك المدامة في جناتك ذوات الجنا من موسيقى وألحان. . .
تصدق بهما على المدنفين والمكلومين والمحرومين
تصدق بألحانك على العيون المشهدة، والجوانح المشبوبة، والحدق الباكية، والأنفاس المحترقة، والفم الظامئ، والمهجة الغرثى، والروح الصادية. . . على كل حمامة تنتظر، وعلى كل ظبي غاب عنه أليفه. . . فألحانك غذاء هذه الأرواح جميعاً، وهي عصارة العيون التي شربت، والخدود التي رعيت، والأنفاس الطاهرة التي اختلطت بأنفاسك، وشاعت حمياها في أعطافك