وفي كثير من الأحوال كان يستفحل أمرهم ويستشري بلاؤهم حتى تعجز الحكومة عنهم، وربما استعانت بهم في الحروب كما حدث في الفتنة بين الأمين والمأمون والمستعين والمعتز. قال ابن الجوزي (كان طلاب السلطة يستعينون في حروبهم ببعضهم على بعض ويعدون بالآلاف، فقد كان مع أبي دلف عشرون ألفاً منهم). يستخدمهم لأغراضه ويسخرهم في أعماله.
سبب ظهورهم:
إن الاضطرابات السياسية التي مرت على العراق تركت أثرها في الحياة الاقتصادية حيث كسدت الأعمال، وغلت الأسعار وقلت الأقوات، فاضطرب نظام الحياة، وانتشرت المجاعة بين الناس، وكان الحكام أنفسهم يخزنون الأٌقوات والحبوب، لذلك تعمد العامة والسوقة إلى الارتزاق بمختلف الطرق وشتى الوسائل حتى انتظموا جماعات كثيرة لمناوأة أصحاب المال من التجار وغيرهم، فهم طبقات ضاقت بهم سبل الحياة، وسدت عليهم أبواب العيش، فتوسلوا بطرق الفوضى والاغتصاب للانتقام من مجتمعهم.
وفي كتاب الفرج بعد الشدة قصص كثيرة تصف هؤلاء الشطار والعيارين وكيف انتظموا في هذه العصابات. ونقل لنا على لسان كردي من هؤلاء التقى به في الطريق بين واسط والبصرة (. . قلت له: يا هذا كيف بلغت هذه الحال؟ قال: نشأت فلم أتعلم غير معالجة السلاح، وجئت إلى بغداد أطلب السلطان فما قبلني أحد، فانتظمت إلى هؤلاء وطلبت الطريق، فلو كان أنصفني السلطان وأنزلني بحيث استحق من الشجاعة لانتفع بخدمتي وما فعلت هذا. .)
وقد كان هؤلاء الشطار والعيارون ينتقمون على الدولة والسلطان أشد النقمة، لأنهم أحرجوهم فأخرجوهم، وتركوهم يقطعون الطرق ويسلبون الناس أموالهم، ويصبون الفزع في قلوبهم، ففي قصة ابن حمدون اللص تظهر شدة نقمة هؤلاء على السلطان وقد ذكرها التنوخي، قال هذا اللص: (. . . يا هذا! لعن الله السلطان الذي أحوجنا إلى هذا، فإنه قد أسقط أرزاقنا فاحتجنا إلى هذا الفعل، ولسنا فيما نفعل ارتكاب أمر أعظم منا يرتكبه السلطان. أنت تعلم أن ابن شيراز في بغداد يصادر أموال الناس ويفقرهم حتى يأخذ الموسر المكثر فلا يخرج من حبسه وهو يهتدي إلى شيء غير الصدقة، وكذلك يفعل