البريدي في واسط والبصرة والديلم، ويتجاوز ذلك إلى الحرم والأولاد. . . فاحسبونا مثل هؤلاء).
وربما هاجم هؤلاء الشطار والعيارون المحلات والقرى فنهبوا النساء والصبيان علانية وجعلوهم رهائن عندهم، ففي أخبار سنة إحدى ومائتين يذكر أبو الفداء (. . . وفيها اشتد أذى فساق بغداد وشطارها حتى قطعوا الطريق وأخذوا النساء والصبيان علانية، ونهبوا القرى مكابرة، وبقى الناس معهم في بلاء عظيم، فتجمع أهل بعض المحال ببغداد مع رجل يقال له خالد بن الدريوس وشدوا على من يليهم من الفساق والشطار فمنعوهم وطردوهم)
ولقيت بغداد من هؤلاء الشطار والعيارين أشد أنواع العذاب والإرهاق، وقد كانت تدافعهم بمختلف الطرق فما أغنى ذلك عنها شيئاً، ففي سنة سبع عشرة وأربعمائة كان (العيارون يدخلون على الرجل فيطالبونه بذخائره كما يفعل السلطان بمن يصادره، وعلم الناس الأبواب على الدروب فلم تغن شيئاً).
وكان الشاطر إذا شاخ وعجز عن العمل ربما تاب فتستخدمه الحكومة في مساعدتها على كشف السرقات، وكان في خدمة الدولة العباسية جماعة من هؤلاء يطلق عليهم اسم (التوابون) ولكن هؤلاء كانوا في الغالب يقاسمون اللصوص ما يسرقونه ويكتمون أمرهم.
وكثيراً ما كان الوزراء والحكام وأصحاب السلطة والنفوذ يقاسمون الشطار والعيارين الأموال، ففي حوادث سنة ست وثلاثين وخمسمائة يذكر ابن الأثير:(. . وفي هذه السنة وصل السلطان إلى بغداد فرأى تبسط أمر العيارين وفسادهم ما ساءه فأعاد بهروز إلى الشحنكية فتاب كثير منهم، ولم ينتفع الناس بذلك لأن ولد الوزير وأخا امرأة السلطان كانا يقاسمان العيارين فلم يقدر بهروز على منعهم).
وقد ذكر ابن بطوطة استفحال أمر الشطار والعيارين على عهده (القرن الثامن) وأشار إلى اجتماعهم على الفساد وقطع الطرق وهجومهم على مدينة بيهق فملكوها وملكوا غيرها، فجندوا الجنود وركبوا الخيول، وجعلوا أحدهم سلطاناً عليهم، وانحاز إلى هذا السلطان العبيد، فمن رأى فيه شجاعة أمره وأعطاه مالا وفرساً.
وكان لهؤلاء الشطار والعيارين عيون على الناس من النساء والرجال يتبعونهم في الحانات والقصور والصيارف والجوهريين، فإذا رأوا من قد باع شيئاً تبعوه وأخذوا ما معه.