الذي يظهر لنا من دراسة حياة هذه الجماعات أن أعمالهم هذه كانت موجهة إلى أصحاب المال والأغنياء الذين يكدسون ثرواتهم ويخزنون أموالهم، ويتركون العامة في عوز وفاقة، لذلك لم يعترضوا لأصحاب البضائع القليلة ولم يعرضوا لامرأة ولا إلى من يستسلم إليهم، وكانت هذه صفة ابن حمدون الشاطر والبرجمي العيار.
ولم يكن هؤلاء الشطار والعيارون يعدون اللصوصية جريمة وإنما هي صناعة يحللونها لأن ما يستولون عليه من أموال التجار الأغنياء زكاة تلك الأموال، فقد ادعوا أنهم فقراء فإن أخذوا تلك الأموال كانت لهم مباحاً، وهذا التعليل يسرده لنا ابن سيّار الكردي ويذكر خبره التنوخي قال:(كنت مسافراً ببعض الجبال فخرج علينا ابن سيار الكردي، فقطع علينا وكان بزي الأمراء. . فقربت منه أنظر إليه وأسمع كلامه فوجدته يروي الشعر ويفهم النحو، فطمعت فيه وعملت أبياتاً مدحته بها، فقال: لست أعلم أن هذا من شعرك، ولكن اعمل لي على قافية هذا البيت ووزنه شعراً الساعة وأنشدني بيتاً، فعملت في الحال أجازة له ثلاثة أبيات. فقال لي: أي شيء أخذ منك لأرده عليك؟ فذكرت له ما أخذ مني فرده إليَّ. ثم أخذ من أكياس التجار التي نهبها كيساً فيه ألف درهم فوهبه لي. فجزيته خيراً ورددته إليه، فقال لي لِمَ لا تأخذه؟ فوريت في كلامي، قال: أحب أن تصدقني، فقتل: وأنا آمن؟ فقال: نعم، قلت: لأنك لا تملكه وهو من أموال الناس أخذته منهم الساعة ظلماً فكيف يحل لي أخذه، فقال لي أما قرأت ما ذكره الجاحظ في كتاب اللصوص عن بعضهم قال: (إن هؤلاء التجار لم تسقط عنهم زكاة الناس لأنهم منعوها فصارت أموالهم بذلك مستهلكة، واللصوص فقراء إليها، فإن أخذوا أموالهم كان ذلك لهم مباحاً لأن عين المال مستهلكة بالزكاة. ثم قال لي: خذ الآن الكيس فأخذته وساق القافلة)
بلاؤهم في الحروب:
كان للشطار والعيارين في الحروب والفتن المحل الأول والشأن الكبير، ففي الفتنة بين الأمين والمأمون لما عجزت جنود الأمين عن الدفاع استنجد بالعيارين والشطار في الدفاع عن بغداد، فنظمهم نظام الجند على كل عشرة منهم عريف، وعلى كل عشرة عرفاء نقيب،