الشعوب، بل المقصود أن تقدم ظهوره في مثل هذه الحالات إنما هو دليل قاطع على نهضة تلك الشعوب وإنذار وبلاغ بنهضة مقبلة على الفور، وما نريد أن نعني بالأدب غير البلاغ والإنذار
هل الأدب ضرورة؟
ليس من شك في أن الأدب ضرورة
وهو ضرورة لا تشبه غيرها من ضرورات الحياة الكبرى، لأنها ضرورة شديدة الشبه بالحياة نفسها كما تقدم، وذلك لأنها حياة أخرى من دون لحم ودم. أو هي الحياة نفسها مخلدة على الورق، وفي بطون الكتب. وليس المقام مقام تمجيد للأدب ومغالبته في الحياة، وإنما هو مقام تعريف بقدره ومكانته بوجه عام، وما دمنا نريد لحياتنا العامة تقدماً واضطراداً. فأحرى بنا أن نوجه أنظارنا لتعرف آثار هذه النهضة المقبلة وما يجب أن يسبقها من البعث الأدبي
نظرتنا إلى الأدب ونتائجها
لذلك ينبغي أن نغير نظرتنا إلى الأدب، تلك النظرة السطحية التي تعودنا منذ عشرات السنين أن ننظرها إلى المحصول الأدبي وإلى أشخاص الأدباء، سواء الأحياء منهم والأموات. يجب أن نفهم أن الأدب ليس تزجية الفراغ، أو سمر العاطل، أو منادمة الميسور، أو ما يدخل في أمثال هذه المعاني مما درجنا على اعتقاده، فالأدب كما يفهم غيرنا قوة فعالة في الحياة اليومية والحياة العامة بصرف النظر عن مفهومه ودلالته
إن هناك خطراً خلقياً عظيم الأثر سنتعرض له، إذا استمرت نظرتنا إلى الأدب على ما هي عليه الآن من السطحية وقلة الشأن من جهة، ومن الخطأ الشائع في مفهومه وإدراكه من جهة أخرى. فالأديب في نظر الأكثرين منا هو الشخص الذي يعيش على هامش الحياة ولا يقيم وزناً لخارجياتها ومادياتها، ولا يسأل عما يقول أو يفعل، ويكفي أن يوصف الإنسان (بالأديب) لكي يفهم السامع أنه أمام شخص غريب الأطوار يعيش في عالم لا علاقة له بالحاضر ولا يطلب منه الاستعداد للمستقبل. وكذلك يتلقى أكثرنا كتابات الأدباء وقصائد الشعراء على أنها أقرب ما تكون إلى الآثار والعاديات