وقد كان لهاتين الحالتين نتيجتان أولاهما مادية والأخرى روحية، فالأولى أننا أصبحنا فقراء في أدبنا عالة على آداب غيرنا. فمنا من ينصرف إلى قراءة الأدب بإحدى اللغات الأجنبية إن كان يحسنها، والذين يجهلون تلك اللغات قد تعودوا القناعة بما تصدره مصر وسورية وبقية البلاد العربية من مطبوعات وكتب. والنتيجة الروحية هي هذه الحالة التي نوشك أن نحس بها جميعاً من القنوط من بعث أدبي لا نحس الحاجة إليه، ويقنعنا أن نكتفي بالتعيش على فيض مما تصدره جاراتنا العربيات من أدب يختص بهن، ولا يطمئن حاجاتنا الروحية أو يعبر تمام التعبير عن إحساسنا الفني
أدبنا كما ينبغي أن نفهمه
الأدب كما يفهمه هذا العصر لا ينحصر - كما يعتقد الكثيرون منا ممن اقتصرت ثقافتهم على نوع واحد من أنواعه - في القدرة على الأداء والتعبير الجميل، بل أصبح - بفضل الطباعة والصحافة - يضم إليه أشتاتاً أخرى من فنون لم تكن في العهد القديم تقرن به؛ وتطورت تسمياته فأصبحنا نسمع الآن (بأدب البحر) و (أدب الموسيقى) و (أدب الموقد) وما إلى ذلك من التسميات. وعهدنا نحن بالأدب أنه محصور في اللغة والبديع، والأمالي، والمقامات، وما إليها. ولكل من هذه الفنون - طبعاً - أصول ليس في مكنة الأديب أن يتعداها أو يغفل عنها؛ ومن هنا نتج الضيق فيما نسميه نحن أدباً ويسميه الغربيون عنا بينما هم يسمون الأدب باسم آخر
ولو أردنا أن نحصر مفهوم الأدب كما يذكره أيناه العصر الحاضر لما عجزنا عن ذلك فحسب، بل لكان عملنا - لو تم - ناقصاً في ذاته، بالغاً ما بلغ من كمال؛ ذلك لأن المفهوم عنه لن يقف عندما سوف نصل إلى تحديده وتعريفه، بل سيخلق وشيكاً غيره وغيره من فنون لا نستطيع منذ الآن أن نعطي فكرة عنها فنحن الآن مثلاً لا زلنا نعيش في أدب الترسل واجترار الكلام على الأصول القديمة؛ أما في العالم فقد حدثت بعد دورنا هذا آداب جديدة: كأدب المقالة، وأدب القصة، وأدب الرواية، وأدب الترجمة ولن يستطيع أي مفكر وأديب كبير أن يتنبأ عن أدب العصر المقبل: ما هو؟ وكيف سيكون؟ وماذا يفيد؟ وما أسلوبه؟