إننا نفهم الأدب الآن فهماً غريباً لا هو بسبيل فهم الأقدمين له، ولا هو على شاكلة ما يعنيه الغربيون ويصطلحون عليه؛ فقد كان شأنه في القديم عظيماً، وكان شخص الأديب عنصراً فعالاً في الحياة العامة. وحسبنا دلالة على مفهوم الأدب وفعاليته في تلك العصور ومقام الأديب في الحياة الاجتماعية أن الأقدمين كانوا يعزون الأدب فيسمونه (علماً) وهم يقصدون بالعلم ما نقصد العلم به الآن بهذه التسمية فيقولون (علم الأدب)! ويصفون الأديب بأنه عالم في علم الأدب
تطور مفهوم الأدب والصحافة
والأدب في العصر الحاضر له مفهوم تطور وترقي حتى زاد في علوه على ما كان له من المكانة في العصور القديمة، وأصبح شأنه في الحياة العامة أعمق وأخطر مما كان عليه في العصور التي سبقت المدنية الحديثة، وأصبح الإنسان لا يستطيع أن يتصور بلداً متمدناً من دون صحف وطباعة. وقد حاول أحد الكتاب أن يستمر في خياله عن مدنية كهذه، فانتهى به الأمر أن وكل نتائجها إلى الجنون. فقد أصبحت الصحافة سلاحاً وكانت في بداية أمرها لا تزيد على وسيلة بسيطة لزيادة المعلومات العامة ونشر الأخبار؛ وصارت (القصة) الفنية الأدبية وسيلة العالم في الدعوة إلى نظرية من نظرياته، والفيلسوف إلى نشر فلسفته، والسياسي إلى الدفاع والدعاوة عن سياسته، وغدا شخص الأديب متمتعاً بأكثر مما كان يتمتع به شخص الأمير من التجلة والاحترام والتقدير والمهابة في العصور السابقة
الأدب كما نفهمه نحن
أما ما نفهمه نحن عن الأدب فأنه ينحط إلى أقل من اللهو والمجانة، وبعض أساليب اللهو عندنا تستدعينا شيئاً من الجد والهمة في إحضارها والاستعداد لها، أما الأدب فلا نكاد نعتبره من الملاهي التي نجد في الحصول عليها، فان حصل من تلقاء نفسه فانه لا يكاد يعنينا إلا أن نكون نحن في حالة لهو، أو نتلقاه على أنه صنيعة لاه غير مسؤول عما يقول، في ساعة لهو خالية من خير أو من جد أو من منفعة. وهذا نهاية ما يصل إليه سوء فهم الأدب، وسوء تأويله، وخطر حالة مثل هذه لا يقتصر على تشويه جمال الأدب نفسه، بل يتعدى ذلك إلى خلق شعور العجز والمحاكاة والتقليد الأعمى كما نرى جماع ذلك في حياتنا