وأحباء، فإذا رأوا في الغناء الطارئ تعريضاً بمفخرة من مفاخرهم فهي معركة حامية قد تذهب فيها الأرواح
هذه صورة بسيطة من صور الزعامة الفنية وهي من الصور القليلة التي لا تزال قريبة من الطبيعة في صدقها وانحصارها. وإن لها شبيهاً عند أبناء البلد من القاهريين، فهم لا يزالون يقيمون حفلات الغناء في مشاربهم العامة، يقيم الحفلة مها مغنيان لكل منهما شعب يتبعه أينما حل، فإما يجد ما يصبو إليه من احترام وتوقير، وإما يحمي زعامته وكرامته بالعصي. . .
وثمة صور أخرى لهذه الزعامة التي تفرضها الطبيعة فرضاً، والتي لم تستطع الحضارة معها إلا أن تعممها فكان ذلك من حسناتها القلائل التي نجت من الصاحبات السيئات. من ذلك تلك الزعامات الفنية التي تقوم المطبعة والسينما والمسرح بالترويج لها، وبالطواف بها في بيئات العالم المختلفة. فأدوات النشر هذه تذيع آثاراً فنية بين الناس، فتجد هذه الآثار الفنية من يطرب لها، ومن يرى فيها ترديداً لشيء كان يجول في نفسه ويريد أن ينفثه منها، أو من يرى فيها شبيهاً لشيء رآه وأحسه، ولكنه لم يستغرق في تأمله، أو من يرى فيها إمكان الحدوث على هذه الصورة من صور الجمال التي حققها له الفنان. . . وهؤلاء جميعاً عندما يرون هذا يشهدون للفنان الذي أسعدهم به أنه زعيم عليهم فيه، فمنهم من يتقرب إلى زعامته بفن فيه من روح فن الزعيم ويذهب مذهبه، ومن هؤلاء من يأبى إلا أن ينافس الزعيم حتى يتزعم هو، ومنهم من يرضى بالمتابعة، وأكثر الناس يرضون بالمتعة يصيبونها عند الزعيم الأصيل وعند المتزعمين وراءه، ومنهم من يهتم الاهتمام الكبير بالمناوشات التي تدور حول الزعامة. بل إن منهم من يثيرها ويشعل نيرانها رغبة منه في التلذذ بشهود الصراع الروحي الذي لا يكون من ثمرته إلا الرقي والذي لا ينبت على جوانبه الغل ولا الحقد إلا حيث يكون النقص والعجز
وتتسع الزعامة الفنية كغيرها من الزعامات كلما اتجهت إلى العموميات التي يشعر كل الناس بان لهم صلة بها. فالأديب الذي يذكر الرحمة يجد في الناس عدداً يطرب لذكرها أكثر من العدد الذي يجده أديب آخر يذكر منظراً خاصاً من مناظر الطبيعة لا يعرفه إلا القليلون من الناس هم الذي يعيشون عنده، وهم الذين يطربون لذكره إذا جرى على لسان