بين الماضي والحاضر، وملخص لما جازته مصر من محن الغلاء والشَرَق منذ الطوفان إلى عصره، ثم ينفرد لنا فصلاً يتحدث فيه عن الأسباب التي نشأت عنها هذه المحن وأدت إلى استمرارها طوال هذه الأزمان، وفي هذا الفصل نرى منهج ابن خلدون في البحث والتعليل واضحاً، بل نرى المقريزي يستعمل ألفاظ شيخه وعباراته مثل (أحوال الوجود وطبيعة العمران وما إليها.) وفي رأي المقريزي إن أسباب الخراب والمحن، ترجع أولاً إلى توليه الخطط السلطانية والمناصب الدينية بالرشوة، واستيلاء الظلمة والجهلاء عليها، وثانياً غلاء استئجار الأطيان، وزيادة نفقات الحرث والبذر والحصاد (نفقات الإنتاج) على الغلة، وثالثاً ذيوع النقد المنحط، ويتبع ذلك بنبذة في تاريخ العملة في الدول الإسلامية ومصر. ثم يتحدث عن طبقات المجتمع، وأوصاف الناس، ويقسم لنا المجتمع المصري إلى سبعة أقسام: _
(١) أهل الدولة.
(٢) أهل اليسار من التجار وأولي النعمة من ذوي الرفاهة.
(٣) الباعة وهم متوسطو الحال من التجار، وأصحاب المعاش وهم السوقة.
(٤) أهل الفلح وهم أرباب الزراعة والحرث وسكان الريف.
(٥) الفقراء وهم جل الفقهاء وطلاب العلم.
(٦) أرباب المصالح والأجر وأصحاب المهن.
(٧) ذوي الخصاصة والمسكنة الذين يتكففون الناس.
ويذكر أحوال كل فريق بالتفصيل، ثم يتحدث عن أسعار عصره وبخاصة أسعار المواد الغذائية ويختتم بشرح رأيه في معالجة هذه المحن، وهو أن يغير نظام العملة، فلا يستعمل منها إلا المكين الثابت من ذهب وفضة، وهي فكرة تثبيت النقد بعينها.
هكذا ينحو المقريزي في الشرح والتعليل، وهكذا نلمس أثر المؤرخ واضحاً في منهج تلميذه، ونستطيع أن نجد كثيراً من أوجه الشبه بين ما يعرضه المقريزي في رسالته، وبين ما كتبه ابن خلدون في مقدمته عن طبيعة الملك وعوامل فساده، وعن السكة، وعن أثر المكوس في الدولة، وأثر الظلم في خراب العمران، وكيف يسري الخلل إلى الدولة وتغلبها وفرة العمران والغلاء والقحط، وغير ذلك مما يتعلق بانحلال الدول وسقوطها بل نستطيع