صاغه الذبياني في قصيدته الخالدة، وكثير من شعر حسان، وخطب علي ومعاوية، والمراسلات التي كانت من جراء هذا الخلاف، وشعر جرير والفرزدق والأخطل ومن شايعهم، وخطب عيسى بن علي والسفاح والمنصور؛ ثم الغالب من شعر المتنبي الذي يبرق فيه ويرعد، والرسالتان الجدية والهزلية لابن زيدون، والقصيدة السينية - ما على ظني يأس - كل هذا الإنتاج العقلي وألوف من أمثاله كان السبب المباشر في وجوده هو الخلاف (السعيد) - على حد تعبير الدكتور. وأنا وإن كنت لا أحب أن أذكر، حتى اسم الخلاف الذي يقع بين المسلمين ما دام المنهل واحداً - خصوصاً في بلد كالعراق لا يستغني فيه أحد الفريقين عن الآخر، فإني سأطرقه من ناحيته الأدبية لا غير.
تقام الاحتفالات التأبينية في العراق - وعلى الأخص في نواحيه الجنوبية - وتعقد النوادي فيه تأبيناً للحسين بن علي بن أبي طالب في كل أيام السنة، أما إذا هلَّ شهر المحرم، فإن الأشغال تكاد تعطل، والحوانيت تكاد تقفل طيلة شهري محرم وصفر، فتعقد مئات النوادي لذكرى قتيل الطف.
فإذ كان الأدب العربي يفخر بسوق عكاظ لأنها كانت السبب في رفع مستواه، وكانت السبب في احترامه وتعاليه؛ فإن الأدب العربي مدين كل الدين لهذه النوادي التأبينية، إذ أنها خير مدرسة وخير عامل لنمو الشعر في العراق. فالشاعر الذي تنشد قصيدته على رؤوس الأشهاد وتستحسن يستمر بحكم الضرورة على قرض الشعر حتى يستمر هذا الإعجاب والتقدير.
ثم هناك حافز آخر لخلق الشاعر في هذه الناحية ألا وهو الحافز الديني، فقد وردت أحاديث كثيرة، وأخبار مستفيضة تهب الثواب والجزاء لمن قال الشعر في آل محمد ولو بيتاً واحداً. ومهما كان نصيب هذه الأحاديث والروايات من الصحة فإنها كانت سبباً قوياً وباعثاً لخلق ألوف من الشعراء لا أظن أدبياً أو متأدباً ينضج ويكتمل ما لم يطلع على هذه الناحية من الشعر.
ومن الغريب أن أدباء الأمة العربية لم يعرفوا عن هذا المنجم الأدبي الضخم ولم يسبروا فيه من غور وعمق. ولو أنهم فعلوا ذلك لظهر لهم من شعر الطف ما يغذي العاطفة ويربي الذوق، ولأضيفت إلى الأدب العربي صفحة مليئة بنفائس الشعر الجيد الممتاز، ولفتحت