الرأي في حكمة وأناة، حتى يحين وقت تتهيأ النفوس فيه لقبول الجديد.
فالإجراء الذي يمكن أن تكفل له قبول الأمة العربية في جملتها، هو أن يكون لمشكلة الكتابة العربية حل لا تتغير فيه الحروف القائمة، ولا تتنكر صورته المألوفة.
ومتى اتسق لنا تحقيق رغبة الرأي العام في استبقاء القديمة، فإن الناس جميعاً يرحبون بما نتخذ من وسيلة لتذليل المصاعب التي تعترض حل تلك المشكلة في ميدان الطباعة.
وقد حدانا هذا على أن نعرض طريقة تقوم على أساس الكتابة العربية في أوضاعها الراهنة، بيد أننا ننفي منها ما كان عائق عن إدخال علامات الضبط في الحروف المطبعية.
أن صندوق الحروف في المطبعة العربية يحمل لكل حرف صوراً متعدد، منها الفرد، ومنها ما يقبل الاتصال بحسب أول الكلمة ووسطها وآخرها، وبحسب وقوع الحروف في بنية الكلمات المركب بعضها فوق بعض. ولذلك أتسع صندوق الحروف من ناحية، فتعذر أن يحتمل معه صندوقاً آخر لعلامات الضبط. وتركبت الكلمة من ناحية أخرى، فأصبح وضع علامات الضبط عليها غير دقيقة. وهذا كله هو سر استثقال علامات الضبط وإخفاقها في أداء مهمتها، وهو العقب في سبيل استعمالها في الكتب التي تخرجها المطابع.
وأني أرى أن نقتصر من صور الحروف على صورة واحدة، وبذلك يكون لصندوق الحروف المطبعية عيون لا تتجاوز الثلاثين عيناً، فنخلص من تلك العيون التي تزيد على ثلاثمائة، وأن نتخذ علامات الضبط المتعارفة التي يجري بها الاستعمال. وسيرحب بها الصندوق الذي تخفف مما كان يغص به من الصور المتعددة للحروف الأصلية، وانفسحت جوانبه لتقبل هذه الحركات في غير مشقة ولا عسر. وطوعاً لهذا يتوافر للطباعة غنم من السهولة والتيسير، كما يتوافق للكتابة غنم من نعيم الضبط بلا عناء.
وأقترح أن تكون الصورة التي تقتصر عليها من صور الحروف هي الصورة التي تقبل الاتصال من بدء الكلمات، وهي التي يسميها أهل فن الطباعة: حروفاً من الأول، على أن تؤثر الكاف المبسوطة، وتضل حروف الألف والدال والذال والراء والزاي والواو والتاء المربوطة واللام ألف باقية على صورتها في حالة إفرادها.
وأكبر ظني أننا لو أخذنا بهذه الطريقة لحللنا مشكلة الكتابة العربية الآن على نحو لا يثير اعتراضاً، ولا يتطلب تهيئة الأذهان للرضى بتغيير طارئ، وإقناع الرأي العام بقبول شيء