مالجد، وبلوته صديقا وفيا، ووطنيا مخلصا، وعرفت من جانب حياته دلائل بر وشهامة، وصبر وكرامة، في شدة الحياة وفي رخائها.
ولقد يخيل إلى الناس أن مختارا لم تنله في حياته شدة. ذلك بأنه صبور على أحداث الحياة، لا يغيره عسر ولا رخاء. ولعلك لو اطلعت على مختار اليوم وهو في سرير المرض لوجدته باسما صبورا. ولو انه كان يقوى على الضحك لملا الدنيا كعادته ضحكا برغم أوجاعه ووحدته الموحشة.
الأستاذ مختار، هو صاحب (نهضة مصر) أول تمثال في تاريخنا الحديث صنعه مصري، وهو الذي أبدع للفلاحة المصرية تماثيل لا يستطيع إبداعها إلا فنان ماهر، أنبته الريف المصري، وغذاه بمائه وهوائه.
لقد قالوا إن في تمثال النهضة مآخذ: منها انه ضئيل فوق قاعدته الضخمة: وان حجاب الفتاة وتناسب أعضائها، وموقع يدها من أبى الهول لا يحقق ما يشتهي الفن.
ليكن كل ما يقولون صحيحا! فهل سلم من النقد اثر من آثار المجهود الإنساني في القديم والحديث؟
إن الأنظار ستصقل على مر السنين هذا التمثال العظيم القائم في ميدان المحطة رمزا وطنيا خالصا لمصر، وسيبقى اسم مختار في ديوان مجدنا القومي عنوانا لنهضة الفن الجميل في وادي النيل.
بذل مختار شبابه وقوته للفن ولمجد مصر من ناحية الفن. وقد يكون المرض الذي يعانيه الآن من آثار جهده المضيء.
في بعض حجرات (المستشفى الفرنسي) بالعباسية، يقيم مختار منذ اشتدت به العلة، وصار في حاجة إلى علاج يقظ متواصل، والى راحة لا يجدها المريض إلا في المستشفيات، وإذا كان عواد مختار قليلين، فقد يكون هو في شغل بأوصابه عن كثرة الزوار وقلتهم، وعن وفاء الناس وتقصيرهم، لكن علينا جميعا أن نحف بكل ما في قلوبنا من عطف وبر سرير ذلك المريض العزيز، تحية لعبقريته وتكريما لمجده الفني، وابتهالا إلى الله العلي ينجيه من براثن الداء، ويكتب له العافية والشفاء.