للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يفور كما يفور العرق المجروح بالدم، وبعث صولة الحياة في الشعب كله، ورتب جنده وكان يتقدم جيشه ببسالة عجيبة، وكأن بينه وبين أرواح جنده نسبا شابكا، فله معنى أبوة الأب في أبنائه لا يراه من يراه منهم إلا أحس أنه شخصه الأكبر، فكانت فيه التكملة الإنسانية لجنده، وكأنه خلق خاصة لإثبات أن غير المستطاع مستطاع، وأن القوى الشديدة تعمل كالعدوى فيمن اتصل بها أو صاحبها، فالأمير قد عدى جنده بقوة شجاعته العجيبة.

ومن نظمه:

تسألني أم البنين وإنها ... لأعلم من تحت السماء بأحوالي

إلا فاسألي جنس الفرنسيس تعلمي ... بأن مناياهم بسيفي وعسّالي

ومن عادة السادات بالجيش تحتمي ... وبي يحتمي جيشي وتمنع أبطالي

واستمر في الحب حتى دانت له كل عمالة وهران تقريبا بعد محاصرته للجنرال بويه وجيشه. ثم تولى قيادة الجيش الفرنسي الجنرال ديميشيل، فكانت بينه وبين الأمير معارك انتهت بعقد المعاهدة المشهورة (بمعاهدة ديميشيل عام ١٨٣٤) التي اعترفت بها فرنسة للأمير بجميع العمالة الوهرانية عدا مدينة وهران وآرزاو ومستغانم، وكان له الحق بموجب هذه المعاهدة أن يعين قناصل في وهران والجزائر ومستغانم وغيرها، وأن يستورد الأسلحة من أي جهة شاء؛ فعظم شأن الأمير وامتد سلطانه وصار الأمير الشرعي لجميع أهالي الجهات الغربية من المغرب الأوسط. ثم مد رواق ملكه على البلاد التي لم تكن داخلة في حدوده مثل ميدية ومليانة، وأقام فيها معامل للأسلحة، مع احتجاج حاكم الجزائر العام.

وفي غضون ذلك ثار على الأمير قبيلتا الدوائر والزمالة وانضمتا إلى فرنسة، فطلب الأمير تسليم رؤسائهم إليه فأبى الجنرال تريزيل، فبرز عبد القادر إلى القتال فانتصر على الفرنسيين في (يوم المقطع) في ٢٦ يولية ١٨٣٥ فأرسلت فرنسة جيشا كثيفا بقيادة المارشال كلوزل فاستولى على عاصمته (المعسكر) وناوشه من ورائه بقية من الأتراك كانوا في قلعة تلمسان، وبعثت فرنسة الجنرال بوجو لإغاثة الجنرال دارلنج الذي حصره الأمير، فانهزم عبد القادر ولكنه بقي ثابت العزم، واستطاع بدهائه السياسي عقد صلح مع الفرنسيين على شروط ضمنت له أكثر مما ضمنته معاهدة ديميشيل، وذلك في (معاهدة التفنة) في ٣٠ مارس ١٨٣٧ التي اعترفت فرنسة له فيها بجميع عمالة وهران وقسم كبير

<<  <  ج:
ص:  >  >>