وما كان أحوج توفيق يومئذ إلى شريف وإليه دون غيره من الرجال. أجل ما كان أحوج الخديو إلى ذلك الرجل الذي كانت تجتمع فيه الرجال وتلتقي في سياسته الآمال، وإني لأزعم هنا في غير تحرج أنه لو بقي شريف في وزارته يؤيده الخديو لكان من الممكن أن تتفادى البلاد تلك الثورة التي جرت عليها نكبة الاحتلال فلقد كانت دسائس إنجلترا في تلك الآونة تنفذ إلى كل ركن وكانت إنجلترا تتحين الفرص وتعمل على تهيئتها، ولو أن شريفاً قد بقي في مركزه لما اتجهت الحركة الوطنية إلى الحزب العسكري ولسارت سيرها ولو في بطء إلى غايتها
حل رياض محل شريف فأخذت السياسة الرجعية موضع الحركة الدستورية، وتلفت الوطنيون، فإذا الأجانب يعودون إلى نفوذهم الأول بل إلى أكثر منه وبخاصة إنجلترا التي أوحت بسياستها إلى توفيق أن يتخذ منها سنداً ضد الباب العالي وضد فرنسا وضد الوطنيين! فلقد كان توفيق يوجس في نفسه خيفة من تركيا ويعتقد أنها تتآمر عليه، كما كان يفهم أن فرنسا تعطف على العرابيين منذ ظهرت حركتهم. هذا إلى أنه رأى مبلغ نفوذ الأجانب في خلع أبيه وأحس ما تركه هذا الخلع من أثر في قلب مثل قلبه. . .
واقتضت الظروف أن يظل شريف بعيداً عن الحكم سنتين عانت فيهما البلاد رزايا الحكم المطلق وبلايا تدخل الأجانب، حتى هبت العاصفة من ناحية أخرى هي ناحية الجيش
وكانت حركة الجيش أول الأمر قاصرة على مطالب تتعلق برجاله، ولكن ما لبث أن التقى التياران واتحدت الغاية، فإن رجال الحركة الوطنية حينما ضاقوا بما فعلت وزارة رياض، وحينما سدت في وجوههم السبل لم يبق أمامهم إلا الاستعانة بالعسكريين ورأى العسكريون من جانبهم أن في اضطلاعهم بمطالب الأمة مل يرفع من قدر حركتهم فرحبوا بالفكرة وساروا بها لا يلوون على شيء. . .
وهكذا تتقاذف السفينة الأنواء وتلقى بها في غيبة ربانها في بحر لجي متتابع الأزباد كأنما جن فيه جنون الريح فلن تهدأ إلا على مناظر الغرق والدمار.
سار عرابي العسكري بخيله ورجله ومدافعه إلى الخديو يعلن إليه مطالب الأمة وينذره أن لا مرجع للجيش حتى تجاب تلك المطالب؛ ولم يكن للخديو أمام هذا التحدي إلا أن يجيب