عرابيا إلى ما ضن به على شريف! ولكنه صرف الجند ليلقي بنفسه في أحضان المشيرين عليه من الإنجليز الذين واتتهم الفرصة المرتقبة
وأقيلت وزارة رياض كما طلب الجيش، ودارت أعين الأحرار تلتمس غيره فلم تقع إلا على شريف؛ وهل كان ثمة غيره تقع عليه العيون؟ ونظر شريف فإذا العاصفة هوجاء تنذر بفقد الرجاء ففكر في الإحجام ولكن الرجل لم يكن من طبعه الإحجام، وما كان ليرضى أن يترك البلاد فيما كانت عليه فإنما يعرف ذو العزم في الشدة وعلى قدر عزمه تكون رجولته.
اشترط شريف ألا يكون لعبة في يد الجيش فما كان هو بالرجل الذي تهون عليه نفسه إلى هذا الحد، وقبل الجيش ما اشترطه، فألف الزعيم الكبير الوزارة وكان أول عمل قام به أن أبعد زعماء الجيش عن العاصمة فخرجوا طائعين.
وراح شريف يصل ما انقطع فما كان ليحيد عما وهب للبلاد حياته من أجله؛ فوضع نظام الحكم على أساس دستوري كأحدث الأسس الدستورية يومئذ ودعا البلاد لانتخاب مجلس نيابي. ولما انعقد المجلس ترك له شريف النظر في الدستور وأصوله فجعل منه جمعية تأسيسية يريد بذلك أن يجعل إلى الأمة مرد كل شيء
وخيل إلى البلاد أنها استراحت من عنائها، وأن قد آن لها أن تسير إلى معالجة مشكلتها المالية في هدوء، وأن تمضي إلى إصلاح مرافقها والنهوض بشتى نواحي البناء والتعمير فيها؛ فهذه هي وزارة الأمة حائزة لثقة النواب، وعلى رأسها الرجل الذي تطلعت إليه آمال الرجال، وهؤلاء هم نواب البلاد لا غرض لهم إلا العمل لخير البلاد.
ولكن - وما أوجع لكن في هذا الموضع - هناك. . . وا أسفاه من وراء ذلك دسائس لا تنام ولا تسهو، ورؤوساً لم تتدبر الأمور كما كان يرجو شريف أن تفعل، ومطامع شخصية هي علة العلل فيما أرى في كل خلاف تشتعل ناره في هذا الشرق المسكين؛ وماذا كانت تجدي إزاء ذلك كله كياسة شريف وروية شريف، وماذا كان يغني عنه بعد نظره وحسن تدبره عواقب الأمور؟
وكانت فرنسا هي التي بدأت بالتحرك هذه المرة فأشارت على إنجلترا بالتدخل، فرنسا التي سندت محمد علي بالأمس ضد إنجلترا حتى جد الجد فتراخت عزمتها دون نصرته حتى