للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحطمت قوته هي بعينها فرنسا التي تشير على إنجلترا بالتدخل اليوم في شئون مصر! ألا ما أشقى الضعفاء بضعفهم! كلا، بل لعمري ما أتعس الأقوياء بقوتهم إن كان ما يبنونه لأنفسهم على حساب الضعفاء قصارى سعادتهم وبرهان إنسانيتهم. . .

هذا هو مجلس النواب يجادل شريفاً وشريف يجادله في أمر الميزانية وحقه في نظرها أو عدمه؛ أليست هذه مسألة داخلية بحتة؟ ولكن الدولتين لا تعترفان بذلك؛ ومتى اعترفت ذوات المخالب لغيرها من ذوات اللحم الطري بحقها في أن تعيش؟ إذاً فلتحرم الدولتان على المجلس النظر في الميزانية، ميزانية مصر، وإلا أفهمتاه كيف يكون الإذعان للسلطان لا للحجة والبرهان!

ونضيع جهود شريف عبثاً في دعوة المجلس إلى الاعتدال. . . إلى الاعتدال؟ أيطلب الاعتدال زعيم ثوري من هيئة ثورية؟ ذلك ما راح النواب يتساءلون فيه؛ ألا يا ويل كل رئيس من الظروف إذا كادت له فقلبت كل عرف لديه نكراً وألبست حوله بالباطل كل حق. لقد وصف اعتدال شريف بأنه خور وأخذت سياسته على أنها مروق، ألا هل من يعقل أو يتدبر؟ ألا هل من يستمع له حينما فكر في آخر حل فطلب تأجيل الأمر كله حتى يبحثه في هدوء؟ كلا لن يستمع له أحد. أيستمع إليه عرابي المتحفز المتوثب، أو يدين برأيه البارودي الطامح إلى رياسة الوزارة؟ أو يسكن إليه المجلس الذي كره الأجانب وتدخل الأجانب حتى لم يعد له على الصبر طاقة؟

والدولتان أتتهاونان أو تريان جانب الحق؟ كلا. إنما ترسلان إلى الخديو أنهما على استعداد واتفاق لتأييده أمام ما عساه أن يصادفه من المتاعب، ولا يتردد هو في قبول هذه (المذكرة)، فتثور ثورة الوطنيين، ويطلب شريف من الدولتين مذكرة تفسيرية تهدئ الخواطر ولكنهما، وقد أرادتا إثارة الخواطر، لا تجيبان. . .

ويحمل الوطنيون على شريف زعيم الوطنيين فيحرجونه حتى لا يجد أمامه وسيلة لإقناعهم، ثم يطالبون بإسقاط وزارته فيستقيل ويعود إلى داره، فتندفع الثورة هوجاء قد جن جنونها؛ ويفرح ذوو المطامع من الأجانب، هؤلاء الذين أجابهم شريف إلى إعادة المراقبة الثنائية ووافقهم على قانون التصفية التي تم في عهد رياض على ما كان فيه من عدوان وظلم. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>