الفضل يجب أن يعلن، والوفاء واجب على من طوق حافظ جيدهم بجميله، وعلى كل ذي مروءة وحمية إلا يصدف عن هذا الواجب المفروض.
لسنا نجهل أن حكومة إسماعيل صدقي ماتت، ولكن الوفديين والأحرار الدستوريين لم يموتوا، وما فاتهم بالأمس يجب إلا يفوتهم اليوم، وعلى مصر بأجمعها ألا تنسى بنيها ذوى الأدمغة النيرة فيها، وتلك النشرة الخاصة التي أذاعتها جريدة (السياسة) لإحياء ذكرى حافظ لا تكفي، فمن الواجب الدعوة إلى المهرجان، من الواجب تشييد الضريح، وإن مجلة (الرسالة) لا تخطئ إذا خصصت أحد أعدادها بحافظ، فتدعو أدباء الأقطار العربية جمعاء إلى إعلان كلمتهم في الشاعر المبدع الموهوب، فان نشرة كهذه يذهب لها صدى بعيد، وتحمل كل ذي شمم على الاهتمام بشاعر كل عيبه أنه رغب في توطيد دعائم الأدب في وادي النيل وفي الإشادة بوطنه، وفي لفت أنظار سائر البلاد العربية إلى ذلك الأدب الريان المورق في خمائل مصر.
وإن تكن (الرسالة) تطمع في المساواة بين حافظ وشوقي فلتخصص نشرة من نشراتها بحافظ ونشرة أخرى بشوقي، فذلك إليها، على أن تثبت الدعوة إلى مهرجان حافظ وإلى بناء ضريحه، وبهذه الهمة تخدم الأدب وبنيه خدمة لم تسبقها إليها صحيفة عربية، ويكفي أن تعظ المصريين بتذكيرهم بواجبهم حيال علم من أعلامهم خفق في ميدان الوطنية والأدب، فان هذا التذكير لابد منه لأجل مصر قبل الجميع، لئلا تتحقق كلمة المتنبي وحافظ فيها:
فما أنت يا مصر دار الأدي ... ب ولا أنت بالبلد الطيب
نحن نتألم لنصيب حافظ من بني قومه كما يتألم صاحب (الرسالة) الأستاذ الزيات. وإنا لعلى اعتقاد تام أنه لن يغفل عما نبدي من رأي. وحرام وألف حرام أن يطرح حافظ جانباً كالمنبوذين من الناس، وأن يقصد الغريب عن مصر إلى ضريحه يحج إليه فلا يجد من يهديه إلى هذا الضريح، وقد تناسب مصر واجبها حيال شاعرها، فما جادت ببضعة دنانير تحفظ بها بقاياه!