للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كنت أبكر قليلاً، لأسير في شوارع القاهرة لحظات قبل أن أصل إلى قصر جلالة الملك، فعرفت من جمال القاهرة ما لم أكن أعرف. وما ظنكم بمدينة لا يستطيع العيد أن يزيدها جمالاً إلى جمال؟

كان يروعني أن أرى القاهرة لا تتأثر بالعيد، وكيف وجميع أيامها أعياد؟

وهل يمكن أن تمر بأحد شوارع القاهرة في أي وقت، ثم تعود وأنت في أمان من الفتون؟

إني أحسد من يرى القاهرة لأول مرة، أحسده وأحقد عليه. فالبرغم مني أن يكون لي في هواها شريك، ولو كان من أكابر أهل الوفاء

وأقول (أول مرة) لأني أخشى أن يكون طول الإلف قلل من طرافتها في عيني، وإلا فكيف جاز أن يكون طوافي بشوارعها مقصوراً على أوقات الأعمال؟ ألا تمر أسابيع في أيام الإجازات بدون أن أستصبح بنورها الوهاج؟

وأرجع فأدون أني كنت أصل إلى قصر جلالة الملك بعد أن أطوف بشوارع القاهرة لحظات، فأرى القصر يموج بالمهنئين من الوزراء والقضاة والمحامين والنواب والشيوخ والأعيان، وألتفت فأراني أستقبل كل قادم، وأودع كل ذاهب، كأنني في داري، وأنتهب الفرصة فأدير المناقشات الأدبية والاجتماعية مع من أصادف هنالك من رجال القلوب والعقول، ولا أنصرف إلا بعد أن أطمئن إلى أني عيدت على أكثر من أجب أن أراهم في يوم العيد

وكان جلالة الملك رأى أن يخفف على شعبه الأمين تكاليف التشريفات، فكان الوافدون على القصر للتهنئة لا يشعرون بالفروق الموروثة بين الطبقات، وكان حظ أي زائر مماثلاً تمام المماثلة لحظ رئيس الوزراء

ثم ماذا؟ ثم جاء هذا العيد بجديد لم ألتفت إليه من قبل

نظرت في منهاج التشريفات فهالني أن لم أجد فيه مكاناً لرجال القلم البليغ، مع أن لرجال القلم نصيراً في قصر جلالة الملك، هو الرجل أحمد محمد حسنين، وكان من لطائفه أن يراعى هذا الشأن الدقيق

مليكنا العظيم الشاب يسره أن يشهد جميع ما في وطنه من القوى الحيوية، وأعظم القوى في مصر هي قوة القلم البليغ، فكيف يصعب علينا أن نصافح جلالة الملك في يوم العيد،

<<  <  ج:
ص:  >  >>