فيها أو ضبط ظروفها وتكيفها كما في العلم الاجتماعي. وهذا الفرق الأساسي هو سبب نهوض العلوم الطبيعية، وقعود العلوم الاجتماعية عن أن تبلغ من الدقة والإصابة المبلغ الذي يليق.
هذه النتيجة ليست راجعة إلى فضل فريق من العلماء على فريق، وإنما ترجع إلى طبيعة الموضوع في كل علم. فموضوع العلم الطبيعي هو المادة والطاقة والحياة في غير الإنسان. وما نفقد أو نخسر من ذلك أثناء التجارب لا يكاد يهم لأنه ممكن تعويضه. كلما تلفت أثناء التجربة الفاشلة كمية من المادة مثلاً أعدنا التجربة بكمية جديدة في ظروف جديدة حتى نهتدي إلى ما نريد. لكن مادة العلم الاجتماعي هي الإنسان متفرقاً أفراداً أو مجتمعاً بطوناً وشعوباً. ومن المحظور أن تعرض الفرد أو الجماعة إلى تجربة تؤدي إلى التلف أو حتى إلى ضرر ملحوظ، بل نفس احتمال الضرر في التجربة يكفي لمنعها وتحريمها قانوناً. فليس أمام العالم الاجتماعي إلا أن يشاهد ما يجري في حياة الجماعات من غير أن يكون له سلطان على تكييف ظروف الحياة تكييفاً يصل من خلاله إلى ما يريد من اختبار فرض أو اختيار الأرجح من رأيين والأصح من نظريتين. وهذا معناه أن سيطول الأمد على العلم الاجتماعي أو الفلسفة عموماً قبل أن يصل أو تصل إلى إثبات سنة من سنن الفطرة في الاجتماع كما قد وصل العلم الطبيعي إلى إثبات الكثير من سنن الفطرة فيما هو موضوعه من مادة الكون عدا الإنسان من حيث هو إنسان.
وعجز العلم الاجتماعي عن الوصول إلى الحق، مهما تكن أسباب ذلك العجز، لن يعفي أحداً من عواقب الخطأ أو التخبط في الحياة الاجتماعية نتيجة لجهل سنن الله التي طبع عليها الفطرة في الاجتماع. فليس ميدان الروح والحياة الإنسانية بأقل خضوعاً لنواميس الفطرة من ميدان المادة والطاقة، وليست نواميس الفطرة في ناحيتها الإنسانية الاجتماعية بأقل دقة وصرامة من نواميس الفطرة في ناحيتها المادية وإن خفي ذلك على الأكثر الأغلب من الناس. فالفطرة في حقيقتها كل شامل متصل وإن جزأه الإنسان ميادين وعلوماً متباينة لعجزه عن دراسة الفطرة دفعة واحدة. إن الإنسان مضطر إلى التحليل أولاً ليتوصل بعد إلى التركيب؛ مضطر إلى دراسة الجزء قبل أن يستطيع إدراك الكل في أمر من الأمور. فإذا قدر للإنسان في علومه المختلفة أن يحيط بالفطرة أجزاء منفصلة فسوف