للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زاد تلبك معدتي، فزادت من الحياة نقمتي!

فيا موت زر أن الحياة ذميمة ... ويا نفس جدي أن دهرك هازل

تناولت دواء هاضما فأخذت أهش للحياة وأبش، وبدأت أنظر إلى العالم بوجه منطلق، ومحبباً منبسط - هاهو ذا قد تألقت صفحته. وأسفرت غمته، وانقشعت غمامته.

الحق أن العالم جميل، فهذا نسيم يعطر الجو بعرفه، ويحيي النفوس يرقته ولطفه، وهذا الربيع نزهة العين ومنطق الطير. وهذه حديقة عقد منظوم. ووشي مرقوم.

أصبحت الدنيا تروق من نظر ... بمنظر فيه جلاء للبصر

والأرض في روض كأفواف الحبر ... تبرجت بعد حياء وخفر

كل شيءحولي يضحك! ليس في الأمكان أبدع مما كان.

قلبي وثاب إلى ذا وذا ... ليس يرى شيئاً فيأباه

يهيم بالحسن كما ينبغي ... ويرحم القبح فيهواه

إن الحياة غنية باللذائذ، وليست الآلام فيها إلا توابل تهيؤ لاستمرار اللذة.

والشوك في شجرات الورد محتمل

ما لدنيا إلا قيثارة يوقع عليها شجى الألحان! أو مائدة شهية صففت عليها صنوف الألوان!

وقد تخمد الشمس الصباح بضوئها ... تفاوتت الأنوار والكل رائق

إن كان في الدنيا سخف وهذيان، فكن الفيلسوف الضاحك، وليس الفيلسوف الباكي!

وإن كانت الدنيا ألغاز وأحاجي، فكم نجح العقل في حلها واستجلاءغامضها. وكل يوم تتسع دائرة المعلوم، وتضيق دائرة المجهول. والعقل يلذه البحث ولو لم يصل. ويشعر بالغبطة ولو لم ينل. وفي نجاحه فيما أدرك، عدة له فيما لم يدرك.

رحماك اللهم! إن كان درهم من دواء هاضم يغير وجه العالم ويحيل السواد بياضاً، والشقاء سعادة، والقبح جمالا، والظلام نوراً، والحزن سروراً، فأين الحق!

<<  <  ج:
ص:  >  >>