والإخلاص، فعتا اللئيم عتواً كبيراً، فأهان الرسول، ومزق الكتاب، ورفض السلام، ورمى بالهدية، وتهددني أمام الوفد الذي أرسلته إليه، ثم طرده من مجلسه، وأخشى أن يحقق وعيده! فهبت زينب تقول: الساعة يلتئم المجلس الحربي، والساعة يعلن الحرب على العِلج، والعداء على لئيم العجم. . .
وفي تلك الساعة التأم المجلس الحربي التدمري، وبدا من القادة أنهم يترددون في إعلان الحرب، لأنهم يعلمون أن سابور ملك عظيم، تتصدع له الجبال خشية. وإنهم لفي ترددهم إذا زينب تبدو على المنبر متلثمة، ثم تخطب خطاباً بليغاً، تحرك به العواطف، وتلهب القلوب، وتهيج النفوس، وتهتف قائلة: العربي لا يرضى بالذل والهوان، وإنما يرضى بهما الفرس والرومان، فهو للعز يموت، وهما للذل يحيان.
وبعد أيام تكون الجيوش العربية في طريقها إلى الفرس، يتقدمها أمير تدمر (أذينة) وأميرة تدمر (زينب) الزبّاء.
تلاقى الجمعان، وكانت جولتان، ثم انهزم الفرس، وسبى أذينة من قصور سابور الحور والولدان، وأسر الأحرار والعبدان.
وأتي بسابور ترهقه ذلة، ووجهه قترة، فاعتذر واسترحم، وذل واستكان، ودفع الجزية عن يدٍ صاغراً، وأضحت تدمر جنة البادية بما نقل إليها من بلاد فارس.
امتلأت نفس أذينة بنشوة الانتصار، فعلم أن بعض الروم عصوا ملكهم وثاروا عليه، فسار إليهم ورد عصيانهم إياه طاعة، وثورتهم عليه استكانة، وعاد مع زينب إلى قاعدته بين هتاف ودعاء، وما انقضت أيام حتى أتى وفد ملك الروم (جاليانوس) يرأسه الأمير (سولفا)، ومثل بين يدي الملك العربي والملكة وشكرهما باسم الملك والإمبراطورية الرومانية، وقدم إليهما ولاءها وصداقتها. انفتحت أمام أذينة مدارج الآمال، وأمِل السيادة التامة، والحكم المطلق، فكتب إلى جاليان يسأله إياهما وأشياء أخرى تضر بملكه، فحنق ملك الروم وغضب وأرسل قائده (أورل) بجيش ليحرق تدمر ويخربها، ويزيل هذه العقبة الكأداء من طريق مطامعه في الشرق. فانتهز الفرصة سابور فزحف بجيشه إلى حاضرة البادية يريد الانتقام، وكان في حمص ابن أخٍ لأذينة يلقب بالمعنيّ، وكان يحسد عمه، ويريد سريره، فلما رأى تألب الأمتين عليه قال حان حينه. اقتله وألبس تاجه، وأرث عرشه.