خالياً من الطنطنة والمبالغات. ولكن هل أدى التلحين والغناء ما في القصيدة من القوة والحماس؟ أو هل هما يسيران معه في هذا السبيل؟ هذه هي المسألة أو القضية التي يريد الأستاذ المحامي أن يكسبها. . وبلح في ذلك بسؤاله إياي أن أكون معه في أن اللحن رائع اقتضاه مبنى القصيدة كما استلزمه معناها. . ويؤسفني ألا أكون معه في ذلك.
وحقاً إن القصيدة خطاب إلى المسالمين لاطراح السلام، ونداء إلى الوادعين لاستنهاض هممهم، واللحن والغناء كذلك خطاب للمسالمين والوادعين. . ولكن ليظلوا ناعمين وادعين. . لحن جميل، وموسيقى حلوة، وغناء رقيق عذب، تتسلل إلى الأذن في طرب يسلم إلى السكون ويبعث إلى وادي الأحلام.
إنه حين يغني:
أخي قم إليها نشق الغمار ... دماً قانياً ولظى مرعدا
يحيل الدم إلى (شربات) ... ويجعل اللظى برداً وسلاماً!
وهو حينما يغني:
فلسطين يفدي حماك الشباب ... وجل الفدائي والمفتدي
يذرو هباء ما فيه من المفاداة وحماية الحمى، ويضيع الشباب مع من ضيع في الأوهام عمره. . .
إن عبد الوهاب فنان عظيم ما في ذلك من شك، ولكن مجال فنه إنما هو العواطف الرقيقة الناعمة، وهو يبدع فيه لأنه يصدر عن طبع أصيل، فيستطيع أن ينقل إحساسه في أنغامه إلى القلوب فيطربها ويأسرها، ويشركها معه في الشدو والترديد أما العواطف الحماسية، فليست في طبعه الفني، وهو إلى الآن لم يأت في هذا الباب بشيء على وفرة إنتاجه في عالم الغناء والموسيقى.
وأنا لا أدعوه إلى مخالفة طبعه بالتلحين الحماسي، لأنه يكون إذن متكلفاً، والتكلف يفسد الفنون. ولو أنه تلقى من نتاج القرائح ما يقتضي اللحن القاصف والنغم الثائر، كما يرى الأستاذ أبو النجا أن يفعل الشعراء والناظمون، لما انطلق عاصفاً ثائراً مثيراً إلا إذا جاوز الفن إلى تهريج.
وإني لأرى أن أم كلثوم أقدر من عبد الوهاب على التعبير الحماسي، ويبدو هذا في غنائها