الكعبة تلوح عن بعد، والمؤمنون يطوفون من حولها، فأحسست بأن هذا المشهد من مشاهد السماء. . .!
دخلت البيت وكأنني روح من الأرواح تجرد عن هذه الدنيا وألقى وراء ظهره أحمالها وآمالها وآلامها وصار لا يشعر إلا أنه في ظلال الجنة
أنا الآن ذاهل اللب، مخطوف القلب، منهل العينين، أهتف بالتلبية، وأنشج بالبكاء وعلى الكعبة جلال من جلال الله، وجمال من جمال الفردوس، وروح من أرواح العرش، لا يراه الراءون إلا خفوا هياماً به، وحنيناً إليه. وأقسم لقد طفت في الكعبة طواف القدوم وقبلت الحجر الأسود، ووردت ماء زمزم، وشربت منها عللاً بعد نهل، وأنا لا أدري إلا أنني في جلوة سماوية، أو حلم بديع.
خرجت وقد تعلق قلبي بالكعبة، فلا أطيق الصبر عنها، وعدت إليها في السحر، وسمعت أذان الفجر، وأقيمت الصلاة.
فوقف الناس صفوفاً حول الكعبة، واستمعوا القرآن الكريم من إمام عذب الصوت، جميل الترتيل؛ وما أسماه موقفاً، وما أطيبها متعة، وما أخلدها لحظات!
وابتسم النهار ونحن جلوس بجانب المقام، وللكعبة بهاء أكثر إشراقاً من بهاء النهار.
هي قوة روحية من قوى الله، تلك التي يفيضها رب البيت على الوافدين إلى البيت.
آمنت بأن هذا البناء المشرف العظيم هو الذي بث روح الإيمان ونور اليقين في نفوس المؤمنين، حتى شقوا الطريق بهذا الدين إلى أرجاء العالمين.
وتمثلت في هذا الموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طريق هجرته إلى المدينة، وقد وقف على ظهر ناقته واستشرف لعله يرى معالم مكة، ثم ناجاها بقوله الكريم:(إني لأعلم أنك أحب البلاد إلي، وأنك أحب أرض الله إلى الله، ولولا أن المشركين أخرجوني منك ما خرجت).
هكذا أقمت في مكة وفي منى وعرفات والمشعر الحرام ثمانية أيام، وعدت إلى الكعبة وأنا أشم منها روح الجنة، وأرى فيها بهاء السماء.
اللهم أعدني إلى مكة، فإني أجد الشوق شديداً، وما زال العهد غير بعيد