الأيمان بها، يكون مقوداً إليه بعاطفة لا بدليل، ولا يعتبر هذا أيماناً في نظرنا.
فهل من مخرج من هذا المأزق؟
نعم، وقد وجد منذ مائة سنة وهو ما كشفه العلماء العالميون من خصائص الروح الإنسانية وعلاقتها بعالم ما فوق الطبيعة بعد دراسات عميقة وجهود مضنية صرفوها في تتبعها في جميع حالاتها ودونت في مئات من المؤلفات القيمة.
أن هذه الدراسات العلمية المحضة التي عاداها ولا يزال يعاديها ممثلو الأديان في جميع الملل، قد محصت تمحيصاً لم تنله العلوم الطبيعية ذاتها، وذلك لغرابتها وشدة ما كانوا يكذبون بها. فقد أثبتت هذه الدراسات والتجارب العلمية وجود عالم فوق الطبيعة متحكم في عالمنا الأرضي، ومصرف له على مقتضى النظام الخاص به. عالم تعلل بعوامله جميع ما عجز الفلاسفة والعلماء عن تعليله في العالم الأرضي، وتخيلوا له عللاً وهمية أو سكتوا عنه حيرة وعجزاً.
كانت الحاجة ماسة جداً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى هذا الفتح العظيم في العلم، فقد كانت المعلومات التي لم تقبل التعليل قد بلغت حداً مؤيساً، واكتشفت النقدة العلميون جهات ضعف في العلم نفسه لا يمكن الإغضاء عنها.
وقد بين هذا الأمر الأستاذ الكبير (جوستاف لوبون) بأوفى بيان في كتابه القيم (تحول المادة) الذي ظهر في سنة ١٩١٠ فقال:
(إذا اتفق أن فيلسوفاً من المنصرفين إلى دراسة الموضوعات ذات الحدودية المبهمة، قرأ منذ عدة سنين كتاباً في العلم الطبيعي كان يدهش من وضوح التحديدات فيه، وصحة البراهين، وضبط التجارب، فكان لا يسعه إلا الانحناء أمام هذه النتائج الفخمة.
(دامت هذه العقيدة في المقررات الكبرى حافظة لقوتها في العلم العصري إلى أن حدثت في الأيام الأخيرة مكتشفات غير منتظرة قضت على التفكير العلمي أن يكابد من الشكوك ما كان يعتقد أنه قد تخلص منه أبد الأبيد. فان الصرح العلمي الذي كان لا يرى صدوعه إلا عدد محصور من العقول العالية، تزعزع فجأة بشدة عظيمة، وصارت التناقضات والمحالات التي فيه ظاهرة للعيان بعد أن كانت من الخلفاء بحيث يكاد لا تبلغها الظنون.
(وقد صدرت مؤلفات على مثال الكتاب الثمين المسمى (العلم والافتراض) لهنري