بوانكاريه، تؤتينا بالبرهان على ما نقول في كل صفحة من صفحاتها، فلقد أرانا هذا الرياضي المشهور أننا نعيش وسط الافتراضات والاتفاقات حتى في مجال العلوم الرياضية.
(وقد كتب الأستاذ (لوسيان بوانكاريه) من جهته يقول: أنه لا توجد لدينا نظريات كبرى الآن يمكن قبولها قبولاً تاماً، ويجمع عليها المجربون إجماعاً عاماً، ولكن يسود اليوم العلوم الطبيعية ضرب من الفوضى. . ولم يظهر أن ناموساً من النواميس الطبيعية يعتبر ضرورياً ضرورة مطلقة. والآراء التي كانت تظهر لمن سبقنا أنها تأسست تأسساً ثابتاً صارت اليوم لدينا موضوعات تحت المناقشة.
وجتم الأستاذ (جوستاف لوبون) الآراء التي أوردها لكبار العلماء بقوله:
(من حسن الحظ لا شيء أكثر ملاءمة للرقي العلمي من هذه الفوضى، فالوجود بمجهولات لا نراها، والحجاب الذي يحجبه عنا منسوج غالباً من الآراء الضالة أو الناقصة التي توجبها علينا تقاليد العلم الرسمي. . . الخ)
نقول وفي أثناء هذه اليقظة من الغرور العلمي ظهر علم ما فوق الطبيعة، ودرست ظواهره، ومحصت تمحيصاً دقيقاً، وتولاها رجال من ذوي الكفايات الممتازة أوصلوها إلى غايات بعيدة، وأقعدوها على أصول وطيدة، بحيث صارت أهلاً لأن تخصص لها دراسات في بعض الجامعات الكبرى كجامعات أكسفورد وكمبريدج ويورك، وجامعات أمريكية أخرى.
هذه البحوث الروحية التي أمضت قرناً كاملاً تحت فحص أعتى العقول البشرية، وأشدهم شكيمة في العقيدة المادية، قد أثبتت وجود عالم روحاني، وشاهدت حوادث من قبيل تحكم الروح في المادة تحليلاً وتركيباً، وخرقاً للنواميس الطبيعية خرقاً لا هوادة فيه، فاتسعت أمام أنظارهم منادح النظر العالي، وأدركوا بالحس فساد النظرية الآلية التي كانوا يعللون بها وجود الكون المادي ونظامه واتساقه، والحياة نفسها وما إليها، وأصبحت النواميس الطبيعية في نظرهم ليست بالقوى الأزلية الأبدية التي صاحبت الكائنات في وجودها، وكلنها مظهر لقوى مدبرة أرفع منها.
هذه المستكشفات الحديثة تفتح أمام العقل الإنساني حقائق كانت فلسفة العلم المادي قد جعلتها