يعاقبني ولا يغضب علي. وأما عدم تقبيلي يدك فإني سمعت علي بي أبي طالب بنهى عن تقبيل يد الملوك إلا من عدل، وأنت لم يصح عندي عدلك. وأما عدم قولي لك يا أمير المؤمنين حين سلمت عليك فليس كل المسلمين راضين بإمرتك عليهم فخشيت أن أقع في الكذب. وأما أني لم أكنك فإن الله سبحانه وتعالى قد كنى أبا لهب لكونه عدوه، ونادى أصفياءه بأسمائهم المجردة لكونهم أحباءه، فقال ي داود يا يحيى يا عيسى. وأما جلوسي بجانبك فإنما فعلته اختبار لعقلك فإني سمعت علي بن أبي طالب يقول يختبر عقل الأمير بجلوس آحاد الناس بجانبه فإن غضب فهو متكبر من أهل النار. فأخذت هشاماً الرعدة وخرج طاووس من عنده بغير استئذان فلم يعد إليه:
ويقال إن عبد الملك بن مروان خطب يوما بالكوفة فقام إليه رجل من آل سمعان فقال مهلاً يا أمير المؤمنين؛ اقضي لصاحبي هذا بحقه ثم اخطب. فقال وما ذاك؟ فقال إن الناس قالوا له ما يخلص ظلمتك من عبد الملك إلا فلان فجئت به إليك لأنظر عدلك الذي كنت تعدنا بهد من قبل أن تتولى هذه المظالم. فطال بينه وبينه الكلام فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين إنكم تأمرون ولا تأتمرون، وتنهون ولا تنتهون، وتعظون ولا تتعظون، أفنقتدي بسيرتكم في أنفسكم أم نطيع أمركم بالسنتكم؟ فإن قلتم أطيعوا امرنا واقبلوا نصحنا فكيف ينصح غيره من غش نفسه! وإن قلت خذوا الحكمة حيث وجدتموها واقبلوا العظة ممن سمعتموها فعلام قلدنا كم أزمة أمورنا وحكمناكم في دمائنا وأموالنا! أو ما تعملون أن منا من هو اعرف منكم بصنوف اللغات واحكم بوجوه العظات؟ فإن كانت الأمانة قد عجزت عن إقامة العدل فيها فخلوا سبيلها وأطلقوا عقالها يبتدرها أهلها الذين قاتلتموهم في البلاد وشتتم شملهم بكل واد. أما والله لئن بقيت في يدكم إلى بلوغ الغاية واستيفاء المدة لتضمحل حقوق الله تعالى وحقوق العباد! فقال له وكيف ذلك؟ فقال لأن من كلمكم في حقه زجر ومن سكت عن حقه قهر! فلا قوله مسموع، ولا ظلمه مرفوع ولا من جار عليه مردوع، وبينك وبين رعيتك مقام تذوب فيه الجبال حيث ملكك هناك خامل وعزك زائل وناصرك خاذل الحاكم عليك عادل. فأكب عبد الملك على وجهه يبكي ثم قال له: فما حاجتك؟ فقال عاملك بالمساواة ظلمني وليله لهو ونهاره لغو ونظره زهو، فكتب إليه بإعطائه ظلامته ثم عزله!
وحكى الكلبي عن رجل من بني أمية قال: حضرت معاوية ابن أبي سفيان في خلافته وقد