- ولأني أصبحت أعرف نفسي وأعيش عيشة تتفق ومزاجها الخاص
- ولأني ما زلت والحمد سليم الصحة معافى البدن
- ولأني تعلمت ضبط النفس
- ولأني أقدر مما كنت على احتمال الآلام وصدمات الحياة
- ولأني أقدر على خدمة وطني وإسعاد من حولي
- ولأني أحمل كنوزاً من الأسرار والذكريات
- ولأني أصبحت أنعم بالهدوء والاستقرار والسلام
ذكرت رأيي هذا ذات يوم لصديق حميم فقال: هذا حسن. ولكن هل نسيت أن للشباب هزاته ولذاته، خفقاته وغزواته، أحلامه ومطامعه، قوته ونضرته؟ وهل الشباب إلا الحياة الحافلة؟ وهل الكهولة إلا الحياة الفاترة؟
فقلت له: مهلا. لم أنس شيئاً وإني بما ذكرته عليم خبير. بل من أعلم به مني وأخبر؟ ولكن مالك أنت قد ذكرت حسناته ونسيت سيئاته؟ فللشباب كما تعلم نقائصه وهفواته، كبواته وانفعالاته، حماقاته وجهالاته. فليس الشباب حلاوة صرفاً كما تزعم. ولقد عرفت أناساً كان شبابهم عذاباً وجحيماً، فجاءتهم الكهولة راحة ونعيما. وعرفت العكس مع أناس آخرين
أن السعادة ميسورة في الشباب وميسورة في الكهولة إذا عرف الإنسان كيف يعيش وفق طبائع العهدين ومميزات العمرين
فالشباب عواطف أولاً وعقل ثانياً، فهو حماسة وتدفق وإقدام
والكهولة عقل أولاً وعواطف ثانياً؛ فهي اتزان وحساب وسير إلى الأمام
والشباب طائرة في السماء، ودبابة في الأرض، وغواصة في البحار
والكهولة سيارة فخمة تطوي الأرض أو باخرة ضخمة تمخر البحار
والشباب فراشة هائمة على وجهها طلباً للنور الوهاج، أو نملة سابحة فوق أطباق العسل المصفى
والكهولة فراشة هدأت وسكنت بعد طول المطاف واحتراق الجناح، أو نملة شبعت وارتوت وما هي بحاجة إلى التكرار
دعني يا صديقي أنعم بالكهولة نعيماً هادئاً معتدلا لا أشعر فيه بالاكتئاب والضجر، ولا