بالتعب والملل، لأنه نعيم النفس والروح الخالدة، لا يتطرق إليها الاكتظاظ والسأم الكريه.
إن الشباب كلباس الحمام، ينفع للسباحة العنيفة في البحار. والكهولة كالمعطف ينفع للتدفئة عند مقدم الشتاء
فعلي بهذا المعطف المريح ألبسه في بر السلام، وقد أخذت نصيبي وأكثر من نصيبي في السباحة والتعرض لأخطار البحار
الآن أصبحت أعرف نفسي وما تريد. وكنت في الشباب أجهل نفسي وأسعى وراء ما لا أريد أو ما لا خير فيه. والآن أعرف ضبط النفس وجمال التسامح، وهما سر السعادة والإسعاد. وكنت في الشباب على النقيض: ثورة مشبوبة حينا أو سيارة من غير فرامل أحياناً أخرى
ولكن ما هذا؟ هل الكهولة خير كل الخير، لا عيب فيها، ولا غبار عليها؟ كلا فقد أراد الله أن يمزج الخير بالشر، والشر بالخير، ليخرج من المزيج مزاجاً معقولا، ونظاماً مقبولا. ففي الشباب كفة الجسم وجماله ترجح كفة العقل. وفي الكهولة كفة العقل وكماله ترجح كفة الجسم. فكل شيء بميزان وقدر
أن الرجل إذا جاوز الأربعين واقترب من الخمسين لا محالة شاعر بنوع من الحرمان ونوع من الإذلال. فهذه بعض أسنان تتزعزع فتتخلع؛ وهذا شعر يبيض أو يتساقط؛ وهذه عيون كانت قوية نافذة، أصبحت ضعيفة حاسرة: في حاجة إلى منظار للقراءة ومنظار للمسير. وهنا وهناك خطوط تنذر بتجاعيد وأخاديد. ثم هضم يضعف، وغذاء ينتقي وشراب يدرس وكل شيء وإلا وقع العقاب، فإذا مرضت يا صاحبي جاءك الطبيب المعالج، ولا يتركك إلا وعلى شفتيه ابتسامة خبيثة جمة المعاني. إذ يقول لك:(يا عزيزي خفف من نشاطك وجهودك. واكثر من أسباب الراحة. ولا تنس أنك لست اليوم شاباً)
هذا وقد تشتهي نفسك أمراً فيه رياضة أو متاع أو غذاء، فلا يسعفك جسمك في همة ونشاط كما كان العهد في الشباب، وإنما يتباطأ أو يتخاذل بالإعياء. هذه هي الكهولة في أخف أعبائها. وقد تثقل وتقسو وتشتد حين تجعل من نفسها باباً تدخل منه العلل والأوصاب إلى الجسم، والحسرة والاكتئاب إلى النفس. على أني والحمد لله أسعد حالا من هذه الصورة، فما زلت كامل الصحة، معافى البدن، جم الحيوية والنشاط، ولهذا تراني أحب الكهولة لأني