المتجددة، ويدخلن إلى النفوس الأماني والأحلام!! وإنما اللوم كله لا شك عائد على الطبيعة وحدها والحب، ما عسى أن يكون مصيره؟
لا نريد أن نعرف مصيره المنحدّر إليه ما دام الجوع عدوه اللدود وخصمه العنيد. ومن الواقع الذي لا يتطاول إليه الريب أن النساء جائعات أبداً، قد وكل إليهن أمر الطبخ في القرن العشرين كما وكل إليهن أمره في القرن التاسع عشر، اللهم إذا لم يرجع عهد هاتيك العصور النائية حين كان الصيادون يلتهمون فرائسهم ساخنة نيئة، وحين كانت فينوس - آلهة الحب والجمال - تجمع العشاق جميعاً وسط الإحراج ثم تفيض عليهم من وحيها ما شاءت لها العاطفة المشبوهة أن تفيض! يومئذ، ويومئذ فقط، كانت المرأة حرة طليقة قد تنصلت من تكاليف الحياة وخرجت على حدود الأسر والانكماش.
وهاأنذا أعترف إليكم بما يدور في خلدي، فاستمعوا لما أقول: لو كنت أنا خالق الجنسين من ذكر وأنثى لأبدعتهما على نحو يباين ما نعهده الآن فيهما من فقاريات لبون. كنت لا أخلق الرجل والمرأة على غرار القردة، وإنما أنشئهما على صورة الحشرات التي تكد وتعمل إذ تكون ديدانا، صغيرة ثم تنقلب إلى فراش جميل طائر يحيا حياة التشرد والهيام، لا شاغل له غير أن يحب وأن يحب! وكنت أضع طور الطفولة والشباب في آخر مراحل الوجود البشري. والواقع أن نوعاً معلوماً من الحشرات أثناء نموه وتطوره تبيد منه المعدة وتقوي الأجنحة، فهو إنما جاء إلى الدنيا بهذا الشكل المهذب ليتمتع منها ساعة أو ساعتين ثم يموت!
أجل! لو كنت إلهاً (أو أُليها (بالتصغير) لأن فلسفة الإسكندرية تعزو صنع هذا الكون إلى آله صغير أو شيطان مبدع) لو كنت أُليها لما اتخذت غير هذه الحشرات نمطاً أنسج على منواله الإنسان، وكنت أجعل المرء يتم جميع أموره المعيشية الغذائية وهو جنين، وفي هذا الطور الابتدائي لا أثر للغريزة الجنسية البتة ولا جوعيغشى الحب أو يلتهم معالمه، ثم أدفع الحياة إلى حيث يطير الرجل والمرأة على أجنحة رفافة، يتنقلان فوق الزهور، ويتذوقان ما يشتهيان ثم يموتان في معانقة وتقبيل. . . وهكذا أكون قد أكسبت الحياة الفانية جزاء وفاقا، ووضعت الحب تاجا على رؤوس الأحياء من بني آدم. ولعلك توافقني على أن ذلك خير وأبقى!!