له، وأحضر هرثمة فقالوا له: تبايع يا هرثمة؟ فقال: يا أمير المؤمنين يميني مشغولة ببيعتك، ويساري مشغولة ببيعة أخيك فبأي يد أبايع؟ والله يا أمير المؤمنين لا أَكدت في الرقاب من بيعة ابنك أكثر مما أكده أبوك لأخيك في بيعته. ومن حنث في الأولى حنث في الأخرى. ولولا تأول هذه الجماعة بأنها مكرهة وإسرارها فيك خلاف ما أظهرت لأمسكت عن هذا. فقال لجماعة من حضر: شاهت وجوهكم، والله لقد صدقني وكذبتموني، ونصحني وغششتموني. وسلَّم إلى الرشيد ما قدره الهادي فيه)
قصة ثانية:(حدثني هرون بن بلال قال حدثني ياسين بن زُرارة قال: كان ببعض أرياف مصر نصراني من أهلها كثير المال فاشي النعمة سمح النفس، وكانت له دار ضيافة، وجرايات واسعة على ذوي الشعر بالفسطاط. فهرب من المتوكل رجل كنى عن اسمه لخطر منزلته، لميل كان من المنتصر إليه، فلما دخلها رأى فيها كثيراً من أهل بغداد، فخاف أن يعرف فنزع إلى أريافها، فانتهى به المسير إلى ضياع النصراني فرأى منه رجلاً جميل الأسر، وسأله النصراني عن حاله، فذكر أن الاختلال انتهى به إلى ما ظهر عليه. فغير هيئته، وفوض إليه شيئاً من أمره، فأحكم فيما أسند إليه واضطلع به. ولم يزل حاله يتزايد عنده حتى غلب على جميع أمره، وقام به أحسن قيام، فكان محل الرجل الهارب من النصراني يفضل كلما ذهب له.
(وورد على النصراني مستحث بحمل مال وجب عليه. (وسأله) النصراني عن خبر الفسطاط فقال: ورد خبر قتل المتوكل وتقلد المنتصر. ووافى رسول من المنتصر في طلب رجل هرب في أيام المتوكل يعرف بفلان بن فلان ويوعز إلى عمال مصر والشام بأن يتلقوه بالتكرمة والتوسعة فيلحق أمير المؤمنين في حال تشبه محله عنده. فعدل النصراني بالمستحث إلى بعض من أنزله عليه، وخلا الهارب بالنصراني فقال: أحسن الله جزاءك، فقد أوليت غاية الجميل وأحتاج إلى أن تأذن لي في دخول الفسطاط فقال: يا هذا إن كنت استقصرتني فاحتكم في مالي، فأني لا أرد أمرك ولا أزول عن حكمك؛ ولا تنأ عني، فقال له: أنا الرجل المطلوب بالفسطاط وقد خلفت شملاً جمّاً، ونعمة واسعة. إنما عدل بي الخوف على نفسي. فقال له: يا سيدي فالمال في يدك وما عندك من الدواب فأنت اعرف به مني فاحتكم فيه، فأخذ بغالاً وما صلح لمثله، وخرج النصراني معه. وقدم كتاباً إلى عامل