فأجابه الآخر:(إنني في الحق لا أفهم كيف يحدث كل ذلك)
ثم عادا إلى الصمت وحاولا أن يناما، ولكن قبل أن تغتمض عيونهما مر سرب من السماني فتخيلاه وهو مقلي على الأطباق. وقال أحد الموظفين:(لقد هممت من شدة الجوع أن آكل حذائي) فأجابه الآخر: إنني سأمتص جوربي).
ونظر كل منهما إلى الآخر نظرة شر كأن نفسه تحدثه بأن يأكل صاحبه؛ ثم صرخ كل منهما صرخة جنونية كأنها عواء الذئب. وقال الموظف الذي اشتغل بالتدريس: أضننا لن ننتظر حتى يحاول أحدنا أن يأكل الآخر) فأجابه: (وكيف نفعل؟ إننا بلا ريب سنلاقي الموت؛ فما رأيك يا صاحب السعادة؟).
قال يجب أن نقطع الوقت بالمحادثة، وإلا فإن واحداً منا سيأكل الآخر لا محالة) فأجابه الموظف الآخر:(ولكن ماذا نقول؟ أبتدئ أنت).
قال الموظف الذي كان مدرسا:(قل لي لماذا تشرق الشمس أولا ثم تغرب)؟ ولماذا لا يكون العكس؟) فأجابه الآخر:(هذا سؤال مضحك يا صاحب بسعاد. إن الشمس تشرق لكي نستيقظ ويذهب كل منا إلى الديوان، ثم تغرب لكي ننام)
قال:(ولكن لماذا لا تفترض العكس فنذهب عند شروق الشمس إلى الفراش فننام ونحلم، وعندما تغرب الشمس. . .) فقاطعه الآخر قائلا: (إن هذا القول لا يستقيم مع التفكير لأن شروق الشمس يحمل الإنسان على الاستعداد للذهاب، كما أن غروبها يحمل الإنسان على طلب العشاء).
وقد أفسدت كلمة العشاء المحادثة لأنها هاجت جنون الموظفين الجائعين، فقال أحدهما:(إن أحد الأطباء قال لي إن الإنسان يستطيع أن يعيش مدة ما بما في جسمه من سوائل. فقال الآخر: (لا أفهم ماذا تعنيه).
قال:(هذا يعني أن في الجسم أنواعا مختلفة من السوائل، وإن بعضها يتحول إلى بعض حتى تصير إلى الخلاصة الغذائية) فقال الآخر: (وماذا يحدث بعد هذا).
قال:(يحتاج الإنسان في النهاية إلى طعام جديد ليتحول إلى الأنواع المختلفة من تلك السوائل) فقال: (إذن فالعبرة كلها بالطعام! لعنة الله على الطعام!).
وأدرك الموظفان أن هذا النوع من الحديث لا يؤدي إلى الغرض الذي يقصدان إليه، بل هو