وبرهن بذلك على أنه لم يكن لأوزانها تأثير مذكور في سرعة هبوطها، فقضى على اعتقادات قديمة وخلق لنفسه أعداء كثيرين. ثم بدأ يتفهم طبيعة الجاذبية التي بقيت راسخة في عقله ولكنها لم تخرج من حيز هذا العقل.
وترك بيزه إلى فلورنسا لما طردته الجامعة، وفي هذا الوقت مات أبوه، واضطره الدهر إلى أن يعول باقي أفراد أسرته. ولكنه فيما بعد استطاع أن يوجد له كرسياً في جامعة بادوه، ومن هذا الكرسي واصل بحوثه ونظرياته العلمية ثمانية عشر عاماً بين استحسان إيطاليا وإعجاب أوروبا كلها، فأضحى بذلك أحد المفكرين الخالدين.
ولم يكن جاليليو ليستفيد من بعد نظره وقوة إدراكه فقط، بل استفاد أيضاً من أبحاث غيره واكتشافاته، ويعد اختراع (التلسكوب) وهو المثل الأعلى بين كافة أبحاثه واختراعاته، ففي حوالي هذا الوقت اخترع جوان ليبرشي من هولاندا بعض العدسات، وما إن سمع بهذا الاختراع حتى استولى عليه، وأوجد من هذه العدسات أول مجهر فلكي، وبه حول أبحاثه وفحوصه إلى الفضاء حيث كشف جديداً غير معروف، وقضى على معتقدات قديمة: كشف سطح القمر الجبلي، وأثبت طبيعة إضاءته بالانعكاس الضوئي، ومحا خرافة المجرة ودلل على أنها مجموعات من الكواكب، كذلك كشف أقمار زحل وأوجه الزهرة، واستعان بكل هذه الاكتشافات على تخليد الحق في تاريخ الفلك، وهو كل ما كان يعنى به من أبحاثه الطويلة، فأخذ عالم الخرافات المظلم في هذا الحين يستنير بضوء هذا الحق.
وكان جاليلو خلفاً لكوبرنيق الذي أثبت أن الأرض والكواكب تدور حول الشمس، وليست الشمس والكواكب هي التي تدور حول الأرض كما اعتقد ارسططاليس، بل أن كبلر وهو من معاصري جاليليو أوغل في هذا البحث، فدرس طبيعة مدار الكواكب. وبينما كان جاليليو يدري هذه الحقائق الفلكية كان باقي العالم ولا سيما الكنيسة ينكرها بتاتاً.
ولم تحرك الكنيسة ساكناً في بادئ الأمر، زعماً منها أن العاصفة التي نفخها جاليليو لا تلبث أن تهدأ، ولكن بحوث الفلكي وطريقة عرضها نبهت الأذهان إلى مناقضتها، لما جاء في الكتاب المقدس، وقويت الشبهة ضده بتأثير جيوردانو برنو، وهو زنديق ثائر على المسيحية، مفكر حر، بالرغم من إن جاليليو أعلن أنه ينكر على جيوردانو أن يقول عن بحوثه العلمية أنها تبرهن على تخبط الدين المسيحي، وحاول أن يظهر للعالم أن اكتشافاته