للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هكذا النبات، وفلسفة الطبيعة في النبات، يضعف ليخلق قوة، ويفنى ليجدد حياة. . . وليت الإنسان كذلك. . .

- لقد أصبت في ذلك يا بني، ولكن الذي يصلح للنبات قد لا يصلح للإنسان، والذي تراه أنت فلسفة في طبيعة النبات قد لا تعترف به العقول البشرية - لا لضعف فيه - وإنما لأن هذه العقول قد اختلط بها من صفات الحياة القبيحة الكثير، فامتزج بها الطمع، ودفعها إلى حب السيطرة على أشياء الغير، فكانت العداوة، وكانت البغضاء، وشعر الإنسان بأن لا أمان من جانب أخيه الإنسان، وصار كل فرد إذا صادق ونسج ثوب الوفاء، نسج بجواره ثوب الرياء؛ وإذا أخذ العدة لحسن اللقاء، أخذ الأهبة لدواعي الفراق، فاضطربت الحياة. . . لهذه الأسباب يصعب تطبيق فكرتك على حياة الإنسان، ويصدق منطقها في حياة النبات، لأن الطبيعة عادلة في تصرفاتها، فلم نر نباتاً اعتدى على نبات، فظهر في زمن نبات آخر. كل شيء يسير في الطبيعة وفي منطقه عدل وحكمة، فللقمح ميعاد، وللقطن ميعاد، ولا يصلح الأول في زمن الثاني. وهكذا سائر النبات. . . فهل الإنسانية كذلك؟ لو كانت كذلك ما واشتعلت يا بني اليوم النيران، واضطرب ميزان الحياة، وذهبت الرحمة من القلوب

فقال: ليس معنى هذا أن الفكرة غير صائبة، وأن فلسفة الطبيعة فيها نقص، بل لعل ذلك يثبت ضلال الإنسانية وتحكم شهواتها في ميولها ونزعاتها الفكرية.

- هذا حق يا بني، ولكن ما فرط الناس في أمور دنياهم والإنسانية والروابط الدينية، إلا منذ أن فرطوا في شخصيتهم وأخلاقهم، فأصبحوا لا يحكمهم شعور حي، ولا يقيد شرورهم رحمة، وأساء تقديرهم للأشياء، فعبدوا الكم، وابتعدوا عن الكيف! ونشأ فيهم اختلاف الطبقات، فقدروا الغنى بالمال، والفقر بقلته، ما أبعد القوم عن الصواب. . . ما أبعدهم!

ورب فقير له من عزة نفسه ثروة تسجد أمامها جبابرة السنين. . . ورب غني تمر به الأيام كما تمر على الجماد لا تشعر به لأنه فقير الروح!

- أنت ترى يا والدي أن سبب انحدار الإنسانية هو التفريط في أمور الدنيا والدين. . . وأنا أرى أن السبب هو فساد التأمل في أفرادها واختلاطه بحب الذات، فأصبح الإنسان لا يرى الشيء حسناً إلا إذا كان له نصيب من حسنه!. . . ولكن هناك تأملات نقية وتأملات

<<  <  ج:
ص:  >  >>